ما ذكر في الجنب إذا أراد أن يعود

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا أراد أن يعود.

أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ)].

هذا فيه استحباب الوضوء إذا أراد أن يعود في الجماع مرة أخرى، فيستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة، وهذا هو السنة.

وفي رواية: (فيتوضأ فإنه أنشط أن يعود) يتوضأ الوضوء الشرعي، وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي، والصواب حمله على الوضوء الشرعي؛ لأن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم تحمل على الحقيقة الشرعية، وجاء في رواية ابن خزيمة: (فليتوضأ وضوءه للصلاة) وهذه تزيل الإشكال.

والذين قالوا: إنه الوضوء اللغوي قالوا: إنما شرع الوضوء للعبادات لا لقضاء الشهوات، لكن هذا رأي قد أبطلته رواية ابن خزيمة (فليتوضأ وضوءه للصلاة)، ولأن الأصل أن يحمل كلام الشارع على الحقيقة الشرعية، هذا هو الأصل فهو ليس لغوياً يحمل على كلام أهل اللغة، وإن كانت النصوص في أرقى البلاغة والفصاحة، فالمقصود به الوضوء الشرعي.

والأصل أن يكون للوجوب لكن يصرف عن الوجوب لأنه لا يريد أن يصلي ولا يريد أن يؤدي عبادة، وهو من جملة الأوامر والآداب.

قال السيوطي رحمه الله: اختلف في المراد بالوضوء هنا، فقيل: غسل الفرج فقط مما به من أذى، قال القاضي عياض: وهو قول جماعة من الفقهاء، زاد القرطبي وأكثر أهل العلم قال: ويستدل على ذلك بأمرين: أحدهما: أنه ورد في رواية: (فليغسل فرجه) مكان (فليتوضأ).

والثاني: أن الوطء ليس من قبيل ما شرع له الوضوء، فإنه بأصل مشروعيته للقرب والعبادات، والوطء من الملاذ والشهوات، وهو من جنس المباحات، ولو كان ذلك مشروعاً لأجل الوطء لشرع في الوطء المبتدأ، فإنه من نوع المعاد، وإنما ذلك لما يتلطخ به الذكر من ماء الفرج والمنى، فإنه مما يكره ويستثقل عادةً وشرعاً.

وقيل: المراد به غسل الوجه واليدين، روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان إذا أتى أهله ثم أراد أن يعود غسل وجهه وذراعيه.

وقيل: المراد الوضوء الشرعي الكامل وعليه أصحابنا؛ لأن في رواية ابن خزيمة: (فليتوضأ وضوءه للصلاة) وادعى الطحاوي أن هذا منسوخ، وقال: قد يجوز أن يكون أمر بهذا في حال ما كان الجنب لا يستطيع ذكر الله حتى يتوضأ، فأمر بالوضوء، ثم رخص لهم أن يتكلموا بذكر الله وهم جنب، فارتفع ذلك، ثم روى من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل) وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي زيادة: (فإنه أنشط للعود) أي: إلى الجماع، وهو تصريح بالحكمة فيه.

وثبت في صحيح مسلم أنه يعود ولا يتوضأ ولا يغتسل، والمقصود: أن هذا الحديث يكون صارفاً للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

والصواب: أن يراد به الوضوء الشرعي، وقول الطحاوي أنه منسوخ هذا لا وجه له، وهو للاستحباب لا للوجوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015