ما ذكر في الجنب إذا لم يتوضأ

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا لم يتوضأ: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا هشام بن عبد الملك أخبرنا شعبة ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن شعبة -واللفظ له- عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب)] قال السيوطي رحمه الله تعالى: عن عبد الله بن نجي بضم النون وفتح الجيم وتحتية، تابعي هو وأبوه.

(لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال الخطابي رحمه الله: المراد بالملائكة الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة، فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره, وقيل: ولم يرد بالجنب من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة، ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد.

قال: وأما الكلب فهو: أن يقتنى لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدور.

قال: وأما الصورة فهي: كل ما صور من ذوات الأرواح، سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب.

انتهى.

قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: وفي تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب بالذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل، وقال في شرح أبي داود: الأظهر أنه عام في كل كلب، وأنهم يمنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث؛ ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر، فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت، وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل، قال: وقال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه كلب؛ لكثرة أكل النجاسات؛ ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة؛ ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها في بيته، ودفعها أذى الشيطان، وسبب امتناعهم عن بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى.

قال: وذكر الخطابي والقاضي عياض: أن ذلك خاص بالصورة التي يحرم اتخاذها دون الممتهنة كالتي في البساط والوسادة ونحوها، قال: والأظهر أنه عام في كل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الحديث.

انتهى.

وقال الشيخ ولي الدين العراقي رحمه الله: وأما امتناعهم من دخول البيت الذي فيه جنب إن صحت الرواية فيه، فيحتمل أن ذلك لامتناعه من قراءة القرآن، وتقصيره بترك المبادرة إلى امتثال الأمر، لكن في هذا نظر؛ لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الاغتسال، وانعقد الإجماع على أنه لا يجب على الفور فالوجه ما قاله الخطابي، وكذا قال صاحب النهاية: أراد بالجنب في هذا الحديث الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة، فيكون أكثر أوقاته جنباً، وهذا يدل على قلة دينه، وخبث باطنه.

وحمل جماعة من العلماء ذلك على ما إذا لم يتوضأ فبوب عليه النسائي رحمه الله: باب في الجنب إذا لم يتوضأ، وبوب عليه البيهقي رحمه الله: باب كراهة نوم الجنب من غير وضوء.

انتهى.

وقال السندي: (ابن نجي) بضم نون، وفتح جيم، وتشديد ياء، وثقة النسائي، ونظر البخاري في حديثه، قوله: (لا تدخل الملائكة) حملت على ملائكة الرحمة والبركة إلا الحفظة، فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره، وحمل الجنب على من يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لا من يؤخر الاغتسال إلى حضور الصلاة، وأشار المصنف بالترجمة إلى أن المراد: من لم يتوضأ.

وبالجملة: فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينام وهو جنب، ويطوف على نسائه بغسل واحد، ورخص في النوم بوضوء، فلا بد من تخصيص في الحديث وحمل الكلب على غير كلب الصيد والزرع ونحوهما.

وأما الصورة فهي صورة ذي روح قيل: إذا كان لها ظل، وقيل: بل أعم، ومال النووي رحمه الله إلى إطلاق الحديث، لكن أدلة التخصيص أقوى وأظهر والله تعالى أعلم.

فهذا الحديث فيه إشكال، وذلك أن هذا الحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب).

وقوله: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب) ثابت في الصحيحين لا إشكال فيه، والمراد بالملائكة: ملائكة الرحمة, لا الحفظة ولا الكتبة؛ فإنهم لا يفارقون الإنسان، والمراد بالصورة: غير الممتهنة التي تكون في البسط والفرش؛ فإنها لا تمنع دخول الملائكة، فالحديث عام مخصوص، ولا تدخل بيتاً فيه صورة, يعني: صورة غير ممتهنة.

أما الممتهنة التي تكون في البساط والفرش، وتوطأ، فدلت الأدلة على أنها لا تمنع دخول الملائكة، فيكون الحديث عاماً مخصوصاً لصورة الممتهنة، والمراد بالكلب: غير المأذون فيه، ككلب الصيد، والزرع، والماشية، أما قول الشارح: كلب الدور, فإن كلب الدور ما يقاس عليه، وإنما هذا خاص بالثلاثة التي جاءت في الحديث: كلب الصيد، والزرع، والماشية، فإن كلب الصيد والزرع، لا يقع منه امتناع الملائكة.

بقي مسألة الجنب: فالحديث دل على أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري وغيرهما أن النبي كان ينام وهو جنب عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من رواية عبد الله بن نجي عن أبيه، وكلام العلماء عن عبد الله بن نجي هذا قال فيه في التقريب: صدوق، وقال فيه النسائي: ثقة، وقال البخاري: فيه نظر، والبخاري لطيف العبارة، إذا قال: فيه نظر، معناه: لا يحتج به، وأما أبوه نجي فقال فيه في التقريب: مقبول، وقال فيه في الكاشف: لين، وكذلك في تهذيب الكمال، وذكروا أنه صاحب مطهرة علي رضي الله عنه فإن الإناء الذي يتطهر فيه كان له اختصاص به، وفي الجرح والتعديل لم يتكلم فيه، وإنما ذكر أنه يروي عنه ابنه، وكذلك ابنه لم يذكر فيه تعديل، وللذهبي قال: إن نجي لا يدرى من هو، فالحديث هذا في صحته نظر، والنسائي حمله على أنه على الجنب إلا إذا لم يتوضأ، والحديث له شاهد أيضاً عند أحمد.

وقد يقال: إن الحديث يكون حسناً لغيره، فيحتمل أن يكون حسناً، ويحتمل أن يكون ضعيفاً؛ لشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة، ونجي ليس بذلك في رواية علي رضي الله عنه، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب.

والنسائي بوب عليه وقال: باب في الجنب إذا لم يتوضأ، وحمله على ما إذا لم يتوضأ، فإن صح الحديث فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ، وهذا جمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة، وإن لم يصح زال الإشكال، والعمدة على الأحاديث الصحيحة.

وقد سأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، وَسَبَق حديث عائشة أنها سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل في أول الليل أو في آخر الليل؟ قالت: ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

فكيف يكون هذا الحديث: أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، قال لـ عمر: (نعم.

إذا توضأ)؟! فالحديث إما أن يقال: ضعيف معارض للأحاديث الصحيحة أو أن يقال: إنه حسن لغيره في رواية الإمام أحمد، ويحمل على الجنب إذا لم يتوضأ، وهذا ما فعله النسائي؛ لأن الحافظ قال فيه: مقبول، والمقبول لا يحتج به إلا إذا توبع، وقال فيه الذهبي والكاشف: لين، وابنه عبد الله صدوق، وقال فيه البخاري: فيه نظر, ونظر البخاري لطيف العبارة، إذا قال: فيه نظر.

يعني: لا يحتج به، والنسائي قال: ثقة، فالابن أحسن حالاً من أبيه، فالابن صدوق لكن الأب قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال: لا يدرى من هو.

فالمقصود أن هذا الحديث في صحته نظر، ولو صح فهو محمول على ما إذا لم يتوضأ كما حمله النسائي، وهذا هو الأقرب وجاء في الأحاديث أن المصورين يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وهذا يقال لمن صور ما فيه روح، لأنه مضاهاة لخلق الله، ولهذا قال ابن عباس: لو كنت مصوراً لصورت الشجر وما لا روح فيه، فإما أن يصور شجراً أو سماءً أو أرضاً، لا بأس بتصوير غير ذوات الأرواح، لكن لا يصور آدمياً أو طيراً أو حشراتٍ أو حيتاناً أو وحوشاً فكل هذا ممنوع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015