إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها المؤلفون، وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم من الأشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك، هي: حصول مقتضاها في آخر الزمان، ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند أهل السنة بالعقيدة الشيعية؛ فإن ما يعتقده الشيعة من خروج مهدي منتظر يسمى محمد بن الحسن العسكري من نسل الحسين رضي الله عنه لا حقيقة له ولا أصل، وعقيدتهم بالنسبة لمهديهم في الحقيقة عقيدة وهمية كما أن إمامة الأئمة الماضين عندهم في الحقيقة إمامة وهمية لا حقيقة لها ولا وجود إلا إمامة علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما، وهما بريئان منهم ومن اعتقادهم بلا شك، وأما أهل السنة ومعتقدهم في الماضي فهو حقيقة موجودة، وسادات الأئمة عندهم هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، وقد تولوا الإمامة حقاً وكانوا أحق بها وأهلها، ومعتقدهم في المستقبل عند نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم حقيقة ثابتة بلا شك أيضاً؛ فلا عبرة بقول من ليس له به علم، وقال: إن الأحاديث في المهدي لا تصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من وضع الشيعة كما تقدمت الإشارة إلى هذا.
إذاً فأحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السنة يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها إلا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المحتج بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من الإيمان به صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3]، وداخل في الإيمان بالقدر فإن سبيل علم ما قدره الله أمران: أحدهما: وقوع الشيء: فكل ما ووقع علمنا أن الله قد شاءه؛ لأنه لا يكون ولا يقع إلا ما شاءه الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
الثاني: الإخبار بالشيء الماضي الذي وقع، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل ما ثبت إخباره به من الأخبار في الماضي علمنا بأنه كان على خبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل ما ثبت إخباره عنه مما يقع في المستقبل نعلم بأن الله قد شاءه، وأنه لابد وأن يقع على وفق خبره، كإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وإخباره بخروج المهدي وبخروج الدجال، وغير ذلك من الأخبار.
فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير نسأل الله السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.