جميع الأحوال وهو المراد هنا، وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} [ق: 16].
فذكر الشيخ معنى الآية والمراد بالنفس قيل: الروح، وقيل: القلب، وقيل: وجود الإنسان، وقيل: ذات الشيء وعينه وحقيقته، وقيل: دمه وكلها تصلح في هذا الموضع إلا الدم، وحبل الوريد: العرق الذي يجري بالنفس في صفحة العنق عبر به؛ لتقريب التعريف لغاية القرب الذي لا يخفي معه شيء من وجود الإنسان، وإضافة الحبل إلى الوريد من إضافة الجنس إلى نوعه كصلاة الأولى، وبقلة الحمقاء.
قال الشيخ ناصر الدين: وليس من إضافة الشيء إلى نفسه كما زعم بعضهم، قيل: وهما وريدان عن يمين وشمال، وقيل: هو في الإنسان عرق واحد يسمى في العنق الوريد، وفي القلب الوتير، وفي الظهر الأبهر، وفي الفخذ النسا بالفتح، وفي الخصر الإسلام، فانظر ذلك.
وبالجملة فهو تعالى المحيط بكل شيء علماً وفوق كل شيء علواً فوقية لا تزيده قرباً إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات على العرش كمل أنه رفيع الدرجات عن الثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وهو على كل شيء شهيد إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وما ذكرته في هذا المحل كلام الإمام أبي حامد – رحمه الله – وعقيدته غير ذكر الآية الأخيرة وبالله التوفيق.
(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).
يعني: ورقة من أوراق الأشجار أي ورقة كانت من أي شجرة كانت، فإنه يعلم سقوطها كما يعلم ابتداء وجودها، ومسافة محلها، ومدة بقائها، وحركتها، وسكونها، وتفصيل أبعاضها، وحيزها، وكيفيتها، ومكان سقوطها، وكيف تسقط، هل لظهرها أو لبطنها أو رطبة أو يابسة، وما يسبق ذلك، وما ينشأ عنه، وما يصحبه من أوصافها وخواصها وأحكامها وأسرارها إلى غير ذلك من شأنها، ويتعلق علمه بذلك قبل وجودها، وحالة كونها وبعد وجودها ويدخل في ذلك ورق شجرة أعمار بني آدم،