وقالت النجارية: هو في كل مكان بذاته.

وقالت المعتزلة: هو في كل مكان بالعلم لا بالذات وظاهر كلام الشيخ ينحو إليه، فلذلك قال ابن رشد في ذلك إنما يقال علمه محيط بكل شيء، وحكى ابن الفاكهاني عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كل عام مخصوص في كتاب الله إلا في أربع آيات أولها: قوله تعالى: {واللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، والثانية: قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ} [آل عمران: 185] والثالثة: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] والرابعة: قوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] فهذا ما تيسر في هذه المسألة مما لابد منه وبالله التوفيق.

(خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقر إليه من حبل الوريد).

خلق: أوجد، وقيل: بمعنى قدر، وكلاهما صحيح، والأول أظهر، والإنسان: الجنس الآدمي، وقيل: المراد هنا آدم، والصحيح الأول، وقيل: هو لفظ عام، والمراد به من سوى الأنبياء عليهم السلام لعصمتهم من الوسواس عن الوسوسة التي هي حركات النفوس الداعية للشر في مقتضى الاستعمال، قالوا: ولهذا أضيف إلى النفس التي أخبر الله تعالى عنها أنها أمارة بالسوء إلا من رحم، وإلا فأصلها في اللغة: الحركة الخفية في النفس والاختلاج ومنه سمي صوت الحلي وسواساً.

قلت: والظاهر أنه المراد هنا؛ لأن المقصود إثبات العلم بخفيات السرائر، وهواجس الخواطر، وحركات الضمائر، وكل ما يليق به فلا يحتاج إلى تحاش واحتراز إلا عمد استشعار الإيهام والله أعلم.

وهو – أي الخالق سبحانه – أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد هو الذي أقرب الأشياء إلى الإنسان من وجوده لجريان النفس فيه وبه، وإنما دل على أنه تعالى أقرب للعبد من نفسه ومن نفسه؛ لأن جريان النفس إنما يكون بعلمه وقدرته وإرادته فهو سابق الوجود قبل ظهور تصريفه كما قال في الحكم ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه، والقرب على ثلاثة: أوجه: قرب مسافة، وهو محال عليه سبحانه فليس مراداً هنا، وقرب كرامة وليس مراداً أيضاً؛ لأنه عبارة عن غاية الإحسان والإكرام وتوجه الأفضال والإنعام، وقرب إحاطة وهو بمعنى شمول العلم والإرادة والقدرة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015