وجلالته إنما هي بجعل من الله له لا بذاته ولا لذاته ولا من ذاته فهو. وإن كان رفيعاً جليلاً فرفعة الحق تعالى وجلالته فوقه؛ لأنه امن ذاته بذاته لذاته، والمجيد يقال: بالخفض على أنه صفة للعرش، وبالرفع صفة لله تعالى، وهو الأظهر وكل صحيح، والتقدير أنه فوق عرشه المجيد الذي هو الرفعة والجلالة وإن كان العرش مجيد فإن مجده بتمجيده تعالى وهو قوله (مجيد بذاته) لا يتوقف على تمجيد غيره.

وقد قال بعض الشيوخ: إنما أحوج الشيخ لهذه العبارة الواهمة دفع ما ادعاه العبيديون في زمانه في شأن رقاده، ورأى أن اعتقاده الجهة مع التعظيم أيسر أمر مما كانوا يعتقدونه، وقد سئل عز الدين بن عبد السلام عن كلام الشيخ هذا: هل ظاهره القول بالجهة أم لا؟ فأجاب ظاهره القول بالجهة والصحيح أن القائل بالجهة لا يكفر.

وقال ابن أبي حمزة: القائل بالجهات لا يكفر؛ إذا لم يقبل عقله غيرها واستدل له بحديث السوداء، وفيه نظر، وما ذكره الشيخ هنا نقل ابن مجاهد في إجماعاته ما هو أعظم منه فقال: وما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه يريد إطلاقاً شرعياً؛ لأنه لم يرد في الشرع أنه في الأرض فلهذا قال: دون أرضه، وهذا مع علمهم بثبوت استحالة الجهة عليه تعالى مع معرفتهم بفصاحة العرب واتساعهم في الاستعارات.

ونقل الشيخ في المختصر والنوادر هذا الكلام بعينه وغير صورته هنا؛ لقصد اختصاره، وبالجملة فإخراجه عن ظاهره المحال واجب، وعذر الشيخ في ذكره واضح ونقله عن السلف قاطع لحجبة المعترض وبالله التوفيق.

وقوله: (وهو في كل مكان بعلمه) يعني: وعلمه محيط بكل مكان كما قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية.

وقد قال بعضهم: في هذه نفي لما يتوهم في التي قبلها؛ لأن الواحد بالذات لا يتعدد مكانه بل هو تعالى منزه عن المكان وكأنه يقول: هو فوق العرش من حيث الجلالة والعظمة لا من حيث الحلول والاستقرار.

وقالت الكرامية والمشبهة: هو فوق العرش، وهو خروج وضلال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015