وقوله رحمه الله: (فصل) يدل على أنه قسيم لما قبله، وهذا مبني على أنه متعلق بالنفقات.
قال رحمه الله: [وعليه علف بهائمه].
أي: على المسلم أن يقوم بعلف البهائم، والبهائم: جمع بهيمة، قيل: لأن كلامها مبهم غير واضح، فهي من العجماوات مما لا يعرف كلامه.
والمراد بـ (عليه): يجب على المسلم أن ينفق على كل بهيمة يملكها بإطعامها، وهذا ما عبر عنه بقوله: (علف).
والبهيمة لها حالتان: الحالة الأولى: أن تكون راعية وسائمة، فيمكنه أن يطعمها عن طريق الرعي والسوم، كما يحدث هذا في البادية.
الحالة الثانية: أن تكون محتاجة إلى العلف، بأن يشتري لها العلف، أو يحش لها الحشيش ويأتي به إليها.
وقد يكون هناك قسم ثالث يجمع بين الأمرين، لكن إذا كانت البهيمة يمكن أن ترعى ويوجد الرعي فيخرجها إلى المرعى، فيجب على المسلم أن يمكّن البهيمة من حقها في العلف، إما أن يطعمها إذا كانت محبوسة، وإما أن يرسلها لكي ترعى إذا وجد الحشيش والمرعى الذي يمكن عن طريقه أن تتحصل على طعامها وعلفها.
والأصل في وجوب النفقة على البهيمة: حديث أبي هريرة في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها؛ لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، فدل هذا الحديث على أن من حبس البهيمة فإنه يجب عليه أن يطعمها، أو نقول له: أرسلها حتى تصيب الطعام، وهذا محل إجماع بين العلماء رحمهم الله لظاهر هذا الحديث.
فقد أجمع الأئمة على أن من ملك البهيمة يجب عليه أن يقوم على علفها، سواء قام بذلك مباشرة، أو أقام من يقوم بعلفها كالعامل والأجير، فإذا وكل أحداً بالقيام على علفها، فعليه أن يتقي الله، وأن يعلم أن هذا الحق لا تبرأ ذمته فيه إلا إذا أقام عليه الأمين الذي يوثق به، لأنه ربما أقام شخصاً لا يوثق بأمانته، وحينئذ يضيع البهيمة، ويقصر في حقوقها في الإطعام، فإن العامل إذا لم يكن أميناً، ولم يتق الله عز وجل في البهيمة؛ ربما لم يجد الطعام والعلف، أو وجد مشقة إذا حش الحشيش أو جزه لها، فربما عدل إلى طعام لا يقوم به حالها، وقد يطعمها بعض الطعام لا كله، وقد يبخل عنها بالكلية فيعذبها، فحينئذ يكون من أقامه شريكاً له في الإثم والعياذ بالله.
فالواجب على المسلم أن يقوم على علف بهائمه، وإذا أعلفها ينبغي عليه أن يتقي الله في هذا العلف، فإذا أراد أن يطعمها ينبغي أن يكون هذا العلف مما يتحقق به سد حاجة البهيمة، ويكون مما ترغب فيه البهيمة، فإذا كان علفاً مضراً بصحتها، أو قليلاً لا يقوم بها، فإن هذا من تضييع الحيوان، ولا يجوز له ذلك.
فقوله: (عليه علف بهائمه): أي عليه أن يطعم البهائم.
والذي قرره العلماء: أنه إذا أرسل البهيمة لترعى، فليس بواجب عليه أن يتركها حتى ترعى غاية الرعي، إنما المراد الحد الذي تحصل به الكفاية.
وهذا يختلف من بهيمة إلى أخرى.