بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وعليه علف بهائمه، وسقيها، وما يصلحها]: شرع المصنف رحمه الله في هذا الفصل في بيان الأحكام المتعلقة بالنفقة على الدواب، وقد تقدم معنا في أول الباب أن النفقة لها ثلاثة أسباب: السبب الأول: النكاح.
والثاني: النسب والقرابة.
والثالث: المِلك.
وبيّنا النفقة على الزوجة فيما يتعلق بسببية النكاح، ثم النفقة على الأقارب فيما يتعلق بسببية النسب، ثم بيّنا أن سبب الملك يشمل جانبين: الجانب الأول: يتعلق بملك اليمين بالنسبة للآدميين.
والجانب الثاني: يتعلق بملك الحيوانات والبهائم.
فالإنسان إذا ملك ذوات الأرواح: إما أن يكون المملوك من الأرقاء والآدميين، وإما أن يكون من الحيوانات والبهائم.
وفي الفصل السابق تحدث المصنف رحمه الله عن أحكام النفقات بالنسبة للآدميين، وهذا الفصل سيتحدث المصنف رحمه الله فيه عن النفقة على البهائم.
فقدّم النفقة على الآدميين؛ لشرف الآدمي، ولأن الله كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، فابتدأ بالنفقة على الإنسان قبل بيان نفقة الحيوان.
والنفقة على الحيوان حق من حقوق الحيوان، وقد بيّنا أن الشريعة الإسلامية هي وحدها التي كفلت حقوق المخلوقين، وأعطت كل ذي حق حقه بعدل من الله سبحانه وتعالى الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين، وهذا يدل على كمال هذه الشريعة الإسلامية، ويدل دلالة واضحة على أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى أن ينعق أعداؤهم بالحقوق فيعلموهم شيئاً يجهلونه، بل إن الحقوق مقررة عندهم منذ فجر الإسلام.
فهذا رسول الأمة صلى الله عليه وسلم وهو في سياق الموت يأمر بالحقوق، ويذكر بها، فكان آخر ما أوصى به: (الصلاة وما ملكت أيمانكم)، أي: اتقوا الله في الصلاة فهي حق الله، واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، وهذا حق المخلوق، فنبه بقوله: (الصلاة) على كل حق من حقوق الله، ونبه بقوله: (وما ملكت أيمانكم) على كل حق من حقوق المخلوق، سواء كان من الآدميين، أو من غير الآدميين.