قال رحمه الله: [وسقيها].
أي: يجب عليه أن يسقي بهيمته كما أنه يجب عليه أن يطعمها، وسقي الماء تختلف فيه البهائم؛ فمن البهائم من يصبر عن الماء كالإبل، ولكن لها مورد وأمد معين، فيراعي هذا الأمد، فيختار أولاً الزمان لسقيها، ويمكنها من أن تشرب، ويكون هذا الشراب الذي تشربه أو المورد الذي ترده مورداً صالحاً؛ بحيث لا يهمل البهيمة فيضع ماءها في أوانٍ قذرة، أو يسقيها من الماء القذر، أو الماء الذي يكون فيه ضرر على صحتها، كل هذا واجب عليه أن يراعيه في طعامها وشرابها.
وهذا كله مبني على الأصل؛ لأنه إذا قصر فإنه يحاسب، فإما أن يطعمها ويسقيها بالمعروف، وإما أن يرسلها.
قال رحمه الله: [وما يصلحها].
لما ذكر المصنف أن عليه سقي بهائمه، دل على أنه لا يجب عليه سقي بهائم الغير، ولا يجب عليه أن يطعم بهيمة الغير، لكن هذا فيه تفصيل: فلو أنه مر على بهيمة ووجدها محتاجة للطعام أو للشراب؛ فإنه يحسن إليها؛ فيسقيها ويطعمها، وهذا من أعظم المعروف.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (مرت بغي من بغايا بني إسرائيل على كلب يطوف ببئر، فنزلت فملأت موقها-يعني: خفها- فسقته؛ فشكر الله له): يعني أن الكلب سأل الله أن يشكرها لأنه لا يستطيع أن يشكرها، وسأل الله جل وعلا المالك لكل شيء، ورب كل شيء، والمطلع على كل شيء، فهو بهيمة لا يستطيع أن يعبر عن شكره لذلك المعروف فسأل الله أن يشكرها، فما كان من ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض الرحيم الذي يرحم من يرحم؛ إلا إن غفر لها ذنوبها، فجعل شربة ماء سبباً في رحمته لها، فغُفرت بها ذنوب عمرها.
وفي الرواية الثانية: (شكر الله لها) أي: أن الله أعظم منها هذا المعروف، وهو سقي هذه البهيمة في هذا المكان، ونزولها إلى البئر، وتكبدها مشقة سقيه رحمة منها بهذه البهيمة، فما كان من الله إلا أن رحمها، لأن الله يرحم خلقه، ويرحم من يرحم خلقه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن).
وقال عليه الصلاة والسلام: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من لا يرحم لا يرحم)، ومفهومه أن من يرحم يُرحم، ففي هذا الحديث الجليل: أنه يسقي بهائم الغير ويحسن إليها كما يحسن إلى بهائمه، لكن الفرق: أن بهائمه على سبيل الوجوب واللزوم، وبهائم غيره على سبيل الندب والاستحباب.