قال رحمه الله: [إلى كل مسلم مكلف].
قوله: (مكلف) أي: بالغ عاقل مختار، فلا يكون صبياً ولا مجنوناً ولا مكرهاً.
فأما المجنون والصبي؛ فإن كلاً منهما لا يستطيع أن يلي أمر نفسه، فمن باب أولى وأحرى ألَّا يلي أمور غيره، ولذلك فإن الصبي يحجر عليه، فلا يصح بيعه ولا شراؤه، إلا إذا كان مأذوناً له على التفصيل الذي تقدم معنا في باب الحجر.
إذاً: لا يصح أن يعهد بالوصية إلى صبيانه، أو إلى الصغار الذين هم دون البلوغ، لكن يجوز أن يقول: وصيت أو عهدت إلى أخي فلان أن يقوم بالنظر على أيتامي، فإذا بلغ ابني محمد، فإنه هو الوصي من بعده.
فقد جعل الوصية إلى أخيه، لكن قبل أن يبلغ ابنه، فإذا بلغ ابنه فإنه وصيه، فعلى هذا الوجه يصح أن يكون عهده إلى صبي، ويكون العهد في الأساس إلى كبير بالغ، مستوفٍ للشروط، مما يجعل الصبي من بعده تعليقاً، وهذا لا بأس به، وقد اختاره غير واحد من العلماء رحمهم الله، ومن أهل العلم من منعوا من ذلك، والصحيح جوازه؛ لأن هذا النوع من الوصية إلى الصبي إنما هو عند بلوغه، فتكون الوصية والقيام بمصالح أبنائه وبناته من بعده لهذا الصغير إذا بلغ.
وكذلك أيضاً يشترط: الاختيار، فلا يصح أن يكون الموصى إليه مكرهاً، فلو هدد الموصي شخصاً، وفرض عليه أن يكون وصياً له من بعده، ووافق؛ فإنه لا تصح الوصية؛ لأنه يشترط فيه أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً.
وهذا هو المعتبر لأهلية التكليف.
وبالنسبة للمجنون يستوي فيه أن يكون جنونه متقطعاً أو مستديماً؛ لأنه في بعض الأحيان يختلف الأمر في الذي جنونه متقطع، لكن بالنسبة للوصية لا يصح أن يعهد إلى مجنون، سواء كان جنونه مطبقاً أو متقطعاً، فلو كان يجن أحياناً ويفيق أحياناً، وعهد إليه في حال إفاقته؛ فإنه لا يصح هذا العهد، فالعهد إلى المجنون باطل أصلاً، وبغير خلاف بين العلماء رحمهم الله.
لكن لو أنه عهد إلى شخص أن يقوم بالنظر في وصيته من بعده بتنفيذها ورعاية شئون ذريته من بعده، ثم جن قبل أن يموت الموصي، بطلت الوصية، وحينئذ يعهد إلى شخص آخر ويقيمه مقامه.