قال رحمه الله: [عدل].
العدل: هو الذي يجتنب الكبائر، ويتقي في أغلب أحواله الصغائر، قال الناظم: العدل من يجتنب الكبائرا ويتقي في الأغلب الصغائرا وكبائر الذنوب: كبائر: جمع كبيرة، والكبيرة: كل ذنب سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كبيرة، وكذلك كل ذنب وردت عليه العقوبة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، أو توعد عليه بنفي إيمان أو غضب أو لعنة أو نحو ذلك.
مثل: شهادة الزور، وعقوق الوالدين، والشرك بالله -والعياذ بالله- فهذه أكبر الكبائر، ومذهب جمهور السلف والخلف رحمهم الله أن الذنوب تنقسم إلى: كبائر وصغائر، خلافاً لمن قال: إن الذنوب كلها ليس فيها صغير ولا كبير، وأنها مستوية، والصحيح أن منها ما هو كبير وما هو صغير؛ لأن الله يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، فأخبر أن الذنوب منها كبيرة، ومنها دون هذه الكبيرة، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32]، فأخبر أن الذنب منه صغير ومنه كبير، ومنه اللمم: وهو صغار الذنوب، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ... ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان والصلوات الخمس مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فجعل المكفر الصغائر بشرط اتقاء الكبائر، فدلت هذه النصوص كلها على أن الذنوب فيها صغير وكبير.
ومن هنا قال العلماء: الكبيرة موجبة للفسق، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7]، فبين سبحانه وتعالى انقسام المعاصي إلى ثلاثة أقسام: الكفر: وهو أعظمها وأكبرها، والفسوق: وهو الذي بين الصغائر وبين الكفر والخروج من الملة، وذلك بارتكاب الكبائر، والعصيان: الذي يكون بارتكاب صغائر الذنوب، والفسوق: هو الذي تنتقض به العدالة، يقال: فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرتها، فالفاسق خارج من طاعة الله عز وجل، مجانب لها، وذلك بارتكابه لكبير الذنب، أو إصراره على الصغير، فإذا أصرَّ على صغيرة، وأصبح إصراره ومداومته يعادل في الذنب الكبيرة لو فعلها مرة، فإن حكم هذه الصغيرة يكون في حكم الكبيرة، فتسقط عدالته، ويكون جرحه مؤثراً فيه.
وقوله (عدل) أي: يشترط أن يكون الوصي عدلاً، ولا تصح الوصية إلى فاسق.
وفي الحقيقة تفصيل عند العلماء: فالفاسق له أحوال: فتارة يكون فاسقاً بارتكابه بعض الذنوب، ولكنه في نظره بالوصية وقيامه على الوصية يحكم القيام بها على أتم الوجوه وأكملها، فحينئذ فسقه لا يؤثر في الوصية، فالحنابلة رحمهم الله عندهم يرون أن الفاسق لا يولى؛ وذلك لأن الفاسق إذا نقض حقاً من حقوق الله بارتكاب الكبيرة، فلا نأمن منه أن يضيع حقوق عباد الله، ومن هنا لا تقبل شهادته، ولم يجز تنفيذ العهد إليه بتنفيذ الوصية؛ لأنه كما ضيع حق الله لا يؤمن منه أن يضيع حقوق عباده، وذلك من باب أولى وأحوط.
ومن أهل العلم من قال: إننا نشاهد من الفساق من يرتكب بعض الأمور، ولكنه لا يخل بديانته ودينه في الأمور الأخرى، فتجده يشرب الخمر، ولكنه لا يمكن أن يكذب، ولا يمكن أن يخون أمانته، ولا يمكن أن يضيع حقاً من الحقوق، لكن الله ابتلاه بشرب الخمر، وقد يكون -والعياذ بالله- مبتلىً بزنا أو فسوق آخر، ولكنه محافظ على الحقوق والواجبات؛ فإذا حدث صدق، وإذا وعد وفىَّ، وإذا اؤتمن لم يخن.
فقالوا: إنه قد يكون عند الشخص تقصير يؤثر في عدالته، ولكن نشاهد منه الصدق في قوله، والأمانة في فعله، ونجد عنده التحفظ، وهذا ابتلاء ابتلي به في جانب من دينه، لا يستلزم أن يسري الحكم إلى ما عداه.
والحق هو مذهب الجمهور، والتفصيل فيه قوة؛ أي: إذا كان الفاسق ممن يؤثر فسقه في الوصية؛ فلا شك أنه يجتنب ولا يعهد إليه، وأما إذا كان فسقه لا يؤثر في الوصية، والغالب أنه يقوم بالوصية؛ كأن يكون قريباً كعم الأولاد وخال الأولاد، وعنده من الشفقة والرحمة ما يغلب على الظن أنه ينفذ الوصايا على أتم الوجوه وأكملها؛ فإنه لا بأس بالوصية إليه.
فالتفصيل في هذا أقوى، ومذهب الجمهور أرجح في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.