كذلك تستلزم المساقاة محلاً، وهو مورد العقد، ويشمل ذلك جانبين؛ فالاتفاق بينك وبين العامل يستلزم جانبين: جانبٌ لك وجانبٌ عليك، والعامل جانبٌ له وجانبٌ عليه.
فأما الذي لك أنت صاحب النخل، فحقك عند العامل أن يقوم بتنظيف النخل وإصلاحه ورعايته وسقيه على الوجه الذي تحصل به الثمرة على أتم الوجوه وأحسنها، هذا بالنسبة للحق الذي لك على العامل.
والحق الذي للعامل عليك أن تدفع له ما اتفقتما عليه من نصف الثمرة أو ربعها أو جزء منها، ولا بد من أن يكون هذا الحق الذي للعامل معلوماً، فلا يصح أن تقول له مثلاً: اسق المزرعة وأعطيك جزءاً منها، أو أعطيك شيئاً منها، أو أُرضيك بثمرةٍ منها أو نحو ذلك.
وبناءً على ذلك تتمحض المساقاة في كونها على جزءٍ مما يخرج من النخل.
قد يكون الاتفاق على نخلٍ ليس له ثمرة في الحال، وإنما في المستقبل، كما يقع في النخل الصغير، وهو ما يسمى بفسائل النخل، فإنها قد تتأخر في الطلع وتحتاج إلى سنتين أو ثلاث، وذلك يختلف باختلاف جودة الصنف والفسيلة، ووجود الرزق فيها من كونها تُطْلِع بعد سنة أو سنتين، فتقول له: قم على هذا النوع من الفسائل وإذا خرجت ثمرته فإني أُعطيك نصفها، فقد يجلس أربع سنوات وهو يعمل ثم تخرج الثمرة بعد أربع سنوات، ويستحق نصف الخارج أو ربعه كما سيأتي إن شاء الله.
فمحل العقد من حيث الأصل لك فيه حقٌ من حيث إصلاح ثمرتك ورعايتها بالسقي وما يلزم.
وسنبين ذلك.
وللعامل حق أن تدفع له جزءاً من الثمرة متفقاً عليه، لكن لا يجوز أن تجمع له بين النقد وبين الجزء الخارج، فتقول له مثلاً: اسق المزرعة وأُعطيك ألف ريالٍ في الشهر ولك نصف الخارج.
وبناءً على ذلك فالإجارة هنا تتمحض في جزءٍ من الخارج ولا يكون معه مالٌ خارجٌ عن هذا العقد؛ لأنها من العقود المستثناة ووردت على سبيل الرخصة، ولأنها إجارةٌ في مجهول وهذا مسلك طائفة من العلماء كما هو مذهب الحنفية والمالكية، وهو أصح القولين في هذه المسألة.
قال رحمه الله تعالى: [تصح على كل شجرٍ له ثمرٌ يؤكل، وعلى ثمرةٍ موجودة، وعلى شجرٍ يغرسه، ويعمل عليه حتى يثمر، بجزءٍ من الثمرة] قوله رحمه الله: [تصح] أي: المساقاة.
وعندما قال: (تصح) أفادنا أن عقدها من العقود الجائزة والمشروعة، وهذا كما قلنا قول جماهير العلماء، ودليل هذه الصحة حديث ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها) فدل على الجواز والمشروعية.
وقوله: (على كل شجر) هذا عموم.
إذا قلنا: يجوز للمسلم أن يُساقي على أرضه، فتصوير المسألة: إذا كان عندك مزرعة وفيها نخل فإنك قد تختار في بعض الأحيان أن تأتي بعامل وتعطيه مبلغاً شهرياً أو أسبوعياً أو سنوياً وتقول له: قم على هذه المزرعة ولك في كل يومٍ خمسون ريالاً، أو كل أسبوع مائة ريال، أو كل شهر ألف ريال، أو كل سنة اثنا عشر ألف ريالاً مثلاً، هذا النوع من العقد يسمى عقد إجارة؛ لأن العمل فيه بالمياومة أو بالمشاهرة -بالشهر- أو بالمسانهة -بالسنة- وسيأتي إن شاء الله بيان أحكام الإجارة.
أما بالنسبة للمساقاة فإنها تختلف، فإنه يكون المقابل للعامل جزءاً من الثمرة، وبناءً على ذلك تقوم على السقي؛ لأنه الأغلب كما ذكرنا وإن كان عقدها لا ينحصر عليه؛ لأنه يستلزم التأبير والقيام على الثمرة بمصالحها، أما من حيث الأصل فإن المساقاة لا تكون بالنقود وإنما تكون بجزءٍ مما يخرج من الثمرة.