قال رحمه الله: [إلا عتق المشتري]: فلو أن رجلاً باع عبداً، فاشتراه الآخر على أن له الخيار، فهذا الخيار يقتضي أن العبد يبقى مدة الخيار خالياً من التصرف من المشتري، فإذا أقدم المشتري وتصرف فأعتق العبد، فيقول المصنف في أول العبارة: [ويحرم ولا يصح]، فقوله: (ولا يصح) معناه لا ينفذ؛ لأن الصحة ضابطها عند العلماء ترتب الأثر على الشيء، فإذا قلت: صحت الصلاة فأثر ذلك أنه لا يعيدها بحيث تبرأ ذمته منها، وكذلك أيضاً يترتب الأثر من حصول الثواب الأخروي، فإذا قلنا: (لا يصح) فمعناه أنه لا يترتب الأثر، فإذا وهب، قلنا: لا تصح الهبة، ولو باع لم يصح البيع.
فإذاً: معنى ذلك أنه لا يترتب الأثر على التصرف الذي يتصرفه أحد المتعاقدين في السلعة، إلا إذا كان التصرف عتقاً، فإن العتق لا يمكن تداركه، ولذلك لو هزل في العتق فقال لعبده: أنت حر، نفذ ومضى عليه: (ثلاث جدّهن جدّ، وهزلهن جدّ)، ولذلك قال عمر: (أربع جائزات إذا تكلم بهن: النكاح، والطلاق، والعتاق، والنذر)، فلو كان يمزح مع عبده فقال له: أنت حر، فإن هذا مما لا يمكن تداركه.
ونحن أثبتنا أولاً قاعدة: وهي أن المبيع في مدة الخيار في ملك المشتري، فإذا جاء المشتري واجترأ على حدود الله، فأعتق العبد في مدة الخيار، فالحكم أنه يمضي العتق؛ لأنه ورد على ملكه، ولأنه لا يمكن تدارك العتق، وقال بعض العلماء: العتق لا ينفذ، والسبب في هذا: أنهم لا يرون أن المبيع في مدة الخيار ملك للمشتري، فكأنه أعتق مال غيره، ومن أعتق عبد غيره أو أمة غيره فلا ينفذ العتق إجماعاً، وهذا حكاه ابن هبيرة وغيره.
وكنت أقول: إن العتق لا ينفذ؛ ولكن بعد التأمل وبعد النظر ظهر لي رجحان ما قاله المصنف رحمه الله من أن العتق ماضٍ ولا يمكن تداركه، ويضمن له إما بالقيمة وإما بالمثل على الأصل المعروف في باب الضمانات، وعلى حسب ما يريد مالك الرقبة الأصلية.