ومن هذا الحديث يؤخذ أن الجار إذا كان منزله عاليا فإنه يؤمر بوضع سترة تمنعه من الإشراف على جيرانه، وأما إن كانت البيوت متساوية في العلو ويشرف بعضها على بعض فإن السترة يشترك فيها، وذلك لما تقدم في الجدار المشترك، فهنا ما دام أن البيوت متساوية فإن السترة يشترك فيها، فإذا أراد بعض الجيران عمل سترة فإن له أن يطالب بقية الجيران بوضع السترة لأنه حق مشترك.
* مسألة:
هل يجوز أن يقول الجار لجاره: آذن لك أن تجعل الأغصان تمتد، ولكن آخذ منك جزءا من ثمرها أو آخذ منك كذا وكذا من الدراهم؟
الجواب: هذا جائز، فإن قيل: امتداد الأغصان مجهور، فأصبح المصالح عنه مجهولا فلا يجوز، فالجواب: أن هذا المصالح عنه مجهول لا يمكن العلم به، فأشبه الإرث الدارس، وحيث كان المصالح عنه مجهولا يحتاج إليه ولا يمكن معرفته فإن الصلح جائز كما تقدم في مسألة شبيهة بهذه، وفي المسألة قولان في المذهب، فالمشهور من المذهب المنع منه لأن المصالح عنه مجهول، والقول الثاني أنه جائز، قال الموفق: " واللائق في مذهب أحمد صحته " ا. هـ.
باب الحجر
الحجر لغة: المنع، وفي اصطلاح الفقهاء: منع الإنسان من التصرف في ماله، والحجر نوعان:
1- حجر لحظ النفس، كالحجر على الصبي في ماله.
2- حجر لحظ الغير، كالحجر على المفلس.
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنه حجر على معاذ في ماله وباعه في دين كان عليه) [هق 6 / 48، قط 4 / 230] وعليه العمل، وله شاهد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من فعله، رواه مالك في موطئه أنه حجر على رجل من جهينة [ك 1501، كتاب الأقضية] والعمل على هذا عند أهل العلم، وفيه حفظ للحقوق، فالحجر على الغير فيه حفظ لحقوق الغير من الضياع، فالحجر على المفلس فيه حفظ لحقوق الدائنين من الضياع، كما أن في ذلك إبراء للذمة من هذا الدين، والحجر لحظ النفس فيه حفظ لمال المحجور عليه من الضياع.