قوله [ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب به وحرم حبسه]
مثاله: رجل مدين سواء كان عن قرض أو عن ثمن مبيع أو نحو ذلك، ففي ذمته ديون لا يقدر على وفائها فهو معسر، فتحرم مطالبته بالدين لإعساره ويحرم حبسه، ودليل ذلك قول الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فأوجب الله إنظاره فحرمت المطالبة وحرم حبسه، ولما ثبت في مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (أن رجلا أصيب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فأفلس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) [م 1556] فدل على أنهم ليس لهم مطالبته وأنه ليس للحاكم أن يحبسه، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود والنسائي والحديث حسن: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) [ن 4689، د 3628، جه 2427] أي مماطلة الغني تحل عرضه أي أن يقال: مطلني، وتحل عقوبته: أي الحبس، قال ذلك سفيان بن عيينة كما في صحيح البخاري قال:" عرضه أن يقول: مطلني، وعقوبته: الحبس " [خ كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس] ، ومفهوم هذا الحديث أن غير الواجد لا يحل عرضه ولا عقوبته، فعليه: من لم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب به، وحرم حبسه، وأما إن كان معروفا بالغنى أو كان قد اشترى شيئا عن عوض، كأن يشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم ادعى الإعسار، فإنه يحتاج إلى بينة تثبت إعساره، لأن الأصل بقاء هذا المبيع الذي قد اشتراه بثمن، والأصل أيضا بقاء غناه، فهو معروف بالغنى، فإذا ادعى الإعسار لم يقبل ذلك إلا أن يأتي ببينة، فإن لم يأت ببينة فإنه يحبس، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) ، والمشهور في مذهب الإمام أحمد أن البينة على الإعسار أن يشهد شاهدان، فإن شهد اثنان على أنه معسر فإن ذلك