القول الثاني: هو المنع، مثال هذا: إذا صالح الورثة زوجة أبيهم على شيء من المال لتتنازل عن حقها من الإرث وهي لا يعلم قدر حقها، لكن يمكن معرفته بحصر مال مورثها، فهل يجوز هذا؟
قولان في المذهب، وأصحهما المنع من ذلك، لأنه معاوضة فأشبه البيع، وبيع المجهول لا يجوز إلا عند الحاجة إليه، ولأن فيه غررا ومخاطرة وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر.
فصل
تقدم الكلام على الصلح على الإقرار، وهان فصل في الصلح على الإنكار، أي أن يصالح المدعى عليه المدعي مع عدم إقراره، فهو لا يقر بالدعوى التي ادعيت عليه في ماله لكنه يصالح المدعي قطعا للخصومة وصيانة للمال وإبراء للذمة، مثال ذلك: أن يعدي عليه أن هذه الدار ليست له، وهي في يده، فيصالح المدعي على شيء من المال يعطيه إياه أو شيء مما تقدم ذكر كأن يهبه بعضها إن كانت عينا أو يعطيه عوضا، فهذا هو الصلح على الإنكار، وجمهور أهل العلم على القول به، ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصلح جائز بين المسلمين) ولما تقدم من جواز الصلح الذي بمعنى البيع وهو أن يدعي عليه أن هذه الدار ليست له فيقر بذلك لكن يقول: صالحني على أن تأخذ موضعها بستاني فهذا جائز باتفاق أهل العلم فكذلك الصلح على الإنكار، ومنع الشافعية من الصلح على الإنكار وقالوا: لا يجوز، لأنه عاوض على شيء لم يثبت له، فإن المدعي لم يثبت حق له على المدعى عليه، فإن المدعى عليه لم يقر، فيكون هذا المدعي قد أكل مال أخيه بالباطل، وقد عاوض عما لم يثبت له، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - (إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما) ، قالوا: وهذا قد أحل حراما، فإن مال المسلم محرم، وهذا الصلح قد أحله، والجواب عند جمهور العلماء عما ذكره الشافعية هو كالتالي: