أما قولهم إنه عاوض على ما لم يثبت له، فالجواب: أنه عاوض على شيء قد ثبت عنده، فهو يعلم أن الحق له، وقد ادعى ذلك، وهو يعتقد أن الحق له، ولذلك عاوض عنه، هذا في جهة المدعي، أما في جهة المدعى عليه فإنه قد دفع ما دفع قطعا للخصومة وإبراء للذمة وتركا لليمين التي يطالب بها، فلم يكن في ذلك شيء مما ذكره الشافعية، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما) فمراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ الصلح الذي يتوصل به إلى تحليل الحرام، فهو ما زال محرما، ومع ذلك فإن هذا الصلح يتوصل به إلى تحليله، فهذا الصلح محرم وممنوع، كأن يتوصل بالصلح إلى حل الربا أو تعبيد الحر أو تحليل البضع ونحو ذلك، وعليه فما ذهب إليه جمهور العلماء من الأحناف والمالكية والحنابلة هو القول الراجح في هذه المسالة خلافا لمذهب الشافعية.
قوله [ومن ادعى عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر وهو يجهله ثم صالح عليه بمال صح]
قوله (بعين) كأن يعدي عليه أن هذه الدار التي بيده ليست له، وإنما لفلان، وقوله (دين) كأن يدعي عليه إنسان أن له عليه ألف ردهم ونحو ذلك، أو يدعي عليه أن اشترى سلعة بثمن مؤجل إلى شهر ولم يدفع الثمن بعد، وقوله (فسكت) أي ولم يقر، فهو صلح على عدم إقرار سواء كان على إنكار أو سكوت، والسكوت بمعنى الإنكار فإنه لم يقر به، وقوله (وهو يجهله) أي يجهل ثبوت هذا الشيء، فهو يظن أنه لا يثبت، وقوله (ثم صالح عليه بمال صح) فإذا صالح بمال كأن يقول هذه الدار التي ادعيت أنها لك أصالحك عليها بمائة ألف ريال، أو أصالحك بأن أعطيك بعضها فهذا يصح، وهو الصلح على الإنكار وتقدم دليله، وأن هذا القول هو مذهب جمهور العلماء.
قوله [وهو للمدعي بيع يرد معيبه ويفسخ الصلح ويؤخذ منه بشفعة، وللآخر إبراء فلا رد ولا شفعة]
هنا مسألة: وهي هل الصلح على الإنكار بيع أم لا؟