واختار الشيخ السعدي جوازه في عامة الديون التي في الذمم، فلو قال: أرهنك الدين الذي لي في ذمة فلان، وهذه الأوراق التي تثبته، ويكتب له بذلك، فإن هذا صحيح لحصول التوثيق به، كذلك لو كان منفعة كأن يقول أنا قد استأجرت هذه الأرض الزراعية مدة خمس سنوات، فهي الآن في يدك، فأجرها على من شئت واحفظ المال الذي ينتج من إجارتها رهنا للدين الذي علي، فهذا يصح، وقاعدة المذهب أن الرهن من باب المعاوضات فعليه لا يصح رهن إلا ما يجوز بيعه، وعلى القول المتقدم وهو اختيار الشيخ السعدي أن الرهن ليس من باب المعاوضات بل هو من باب التوثيقات، وباب التوثيقات أوسع من باب المعاوضات، فالمقصود منه التوثيق وليس بيعا، وستأتي بعض المسائل التي يرجحها الحنابلة ويصححون الرهن فيها، مع أن البيع لا يصح فيها، كرهن الثمر قبل بدو صلاحه، فإنه لا يجوز بيعه، لكنهم يصححون رهنه.
قوله [يجوز بيعها حتى المكاتب]
فالمكاتب يجوز أن يكون رهنا، وصورة الرهن فيه، أن يكون ما يأتي به من أقساط شهرية يدفعها للمرتهن، ويبقى عقد الكتابة على ما هو عليه، فيعمل ليحرر نفسه، فإذا أمكنه أن يحرر نفسه كانت هذه الأقساط المجموعة رهنا عند المرتهن، وإن لم يمكنه فيبقى هو رهن أيضا لأنه يجوز بيعه، وما جاز بيعه جاز رهنه، وعلى القول المتقدم وهو الراجح فإن هذا ظاهر لحصول الثقة بذلك عند المرتهن، والقول الثاني في المذهب أن المكاتب لا يصح رهنه، وذلك لأن مقتضى الكتابة أن يكون حرا بعمله، فهو يذهب إلى أي موضع شاء للعمل، ومن شروط الرهن عند الحنابلة استدامة القبض، ولا شك أن بقاء المكاتب عند المرتهن يخالف مقتضى عقد الكتابة، والصحيح ما سيأتي من ترجيح أن استدامة القبض ليس بشرط، وعليه فلا مانع من أن يكون المكاتب رهنا، ويعمل كيف شاء.
قوله [مع الحق وبعده]
قوله (مع الحق) كأن يقول أقرضني مائة ألف وأضع بيتي رهنا عندك.