وصورة هذه المسألة أن يشتري الرجل السلعة من أحد الناس ويقول: لي الخيار ثلاثة أيام، وهذا مبلغ عندك فإن اشتريت السلعة أكملت لك المتبقي من الثمن، وإلا فإن هذا المبلغ المقدم لك، وهي صورة مشهورة عند الناس، وتسمى بالعربون، وفيها قولان لأهل العلم:
1- قال الجمهور إن هذا محرم، لأنه أكل للمال بالباطل، فلا حق له بأكله، وروى أبو داود في سننه وهو في موطأ مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن بيع العربان) [حم 6684، د 3502، جه 2192] أي العربون.
2- وقال الحنابلة بيع العربون جائز، ومثله إجارة العربون بأن يدفع شيئا للمؤجر ويقول إن عزمت على الاستئجار وإلا فهذا الثمن لك، وقد لا يقع بينهما عقد، ويقول هذا المال، وأنا أفكر وأتأمل فإن عزمت على الشراء أكملت ما تبقى من الثمن، وإلا فإن هذا المال لك، واستدلوا بما رواه البخاري معلقا وذكره صاحب المغني وذكر أن الإمام أحمد احتج به، وأن الإمام أحمد قيل له: أتذهب إليه؟ فقال: لم، وهو قول عمر، والأثر:" أن نافع بن الحارث عامل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على مكة اشترى دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا " [خ تعليقا (كتاب الخصومات - باب الربط والحبس في الحرم) ] ولا يعلم له مخالف، قالوا: وأما الحديث الذي ذكره الجمهور فإن إسناده منقطع، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة كالإمام أحمد، قالوا: وليس هذا بأكل لأموال الناس بالباطل، فإنه إنما يأخذ المال بسبب تربصه انتظاره، وبقاء السلعة بيده من غير بيع، فإنه يتربص وينتظر حتى يعزم هذا المشتري على الشراء، وقد لا يعزم فيكون قد تربص بهذه السلعة بدون أن يقدر على بيعها، فهذا ليس من أكل أموال الناس بالباطل، فإنه قد تعود عليه مصلحة وقد يلحق به الضرر بسبب التربص، قالوا: ولأن الأصل في المعاملات الحل، وهذا القول هو الصحيح.