قوله [وإن باعه بشرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ]

مثاله: إذا قال هذه السلعة أمامك، وأنا بريء من كل عيب مجهول، ليبطل عليه خيار العيب، فإذا وجد عيبا بعد ذلك فلا يكون له الخيار، قال المؤلف: (لم يبرأ) بل للمشتري إذ وجد السلعة معيبة بعد ذلك حق الخيار، فله إما الفسخ أو الإمضاء مع الأرش، وذلك لأن خيار العيب إنما يثبت بعد البيع، ولا يثبت قبله، وهو إنما يثبت بعد الاطلاع على العيب، وهذا هو المشهور عند الحنابلة، وقال شيخ الإسلام وهو رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب المالكية: يبرأ إلا أن يكون قد علم بالعيب فلا يبرأ، أما إن كان هذا القائل جاهلا بعيوب هذه السلعة ولا يعرف عيوبها فيقول: أن أبيعك هذه السلعة وأنا لا أعرف هل فيها عيب أم لا، وأريد أن تبرأني من كل عيب مجهول، فإن شئت تشتريها هكذا، وإلا فلا أبيعها عليك، وهو صادق من حيث كونه لا يعلم إن كان فيها عيب أم لا، فإن هذه التبرئة صحيحة معتبرة، وذلك لأن الطرف الآخر قد أسقط حقه ولم يقع غش ولا خداع ولا غرر من البائع.

أما إذا قال: أنا بريء من كل عيب مجهول، وكان البائع عالما بوجود عيب فإن هذا لا يقبل ولا يعتبر، بل الخيار ثابت، وذلك لأن هذا غش وخداع وغرر، فكان الخيار ثابتا، وما قاله رحمه الله ظاهر، فإنه إذا لم يعلم شيئا من العيوب فإنه لم يقع منه ما يقتضي جواز الفسخ للآخر وقد أسقط الآخر حقه، وأما إذا كان عالما بالعيوب فإنه قد غش وخدع، فعند ذلك يثبت الخيار للآخر، ويدل عليه ما رواه مالك في موطئه والبيهقي بإسناد صحيح أن ابن عمر - رضي الله عنه - باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه: بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان، فقضى على ابن عمر أن يحلف له، لقد باعه العبد وما به داء يعمله، فأبى أن يحلف، وارتجع العبد، فصح عنده، فباعه بألف وخمسمائة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015