أما الغارم لإصلاح ذات البين، فهو الرجل يصلح بين طائفتين من الناس فيتحمل من أجل هذا الإصلاح أموالاً في ذمته كأن يقع شجار بين قبيلتين بينهم ديات فيتحمل هذه الديات لتزول ما بينهم من العداوة فهو المصلح ذات البين، فإنه يعطى من الزكاة؛ لدخوله في عموم قوله: {والغارمين}
ولما ثبت في مسلم عن قبيصة قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد تحملت حمالة فسألته فيها فقال صلى الله عليه وسلم: أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) (?)
قال: (ولو مع غنى)
فيعطى من الزكاة ولو كان غنياً، وقد تحملها ويمكنه أن يدفعها من ماله فإنه يعطى من الزكاة؛ وذلك لأن هذا الغرم لمصلحة عامة أشبه ما يعطى العامل الغني ومن يؤلفه قلبه، فإنه للمصلحة العامة يعطى مع الغنى فكذلك المصلح ذات البين ولإطلاق قوله تعالى: {والغارمين} فهي لفظة مطلقة غير مقيدة بالفقر أو بالعجز عن القضاء.
قال: (أو لنفسه)
عليه دين لمصلحة نفسه من مسكن أو منكح أو مطعم أو غير ذلك من الأمور المباحة له فإنه يعطى من الزكاة.
أما إن كانت أموراً محرمة فإن ذلك لا يجوز؛ لأن في ذلك تعاوناً على الإثم قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (?) وهذا تعاون على الإثم فلا يعطى من الزكاة.
لكن إن تاب فإنه يعطى من الزكاة لأنه غارم، وإنما منعنا من إعطائه لو لم يتب لما في ذلك من التعاون على الإثم أما وقد تاب إلى الله تعالى فإن هذا المعنى يزول.
ومثل ذلك إذا كانت الديون على أمور سرف فإن الزكاة لا تدفع إليه كمن يقترض لمفاخرة في منزل أو ملبس أو مشرب أو نحو ذلك من أمور التكاثر والترف فإنه لا يعان على ذلك لأنها أمور مرفوضة في الشريعة فلا يعان عليها لكن إن تاب إلى الله من ذلك أو ترك هذا فإنه يعاون لزوال المعنى المتقدم.