فجزم شيخ الإسلام باستحبابه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولقوله: (هذه رحمة) والرحمة مستحبة وأن ذلك أكمل من الفرح إظهاراً للرضا بقدر الله، والرضا بقدر الله لا يعارضه ما يكون من طبيعة البشر من دمع في العين أو حزن في القلب.
* وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن الميت ليعذب ببكاء أهله) إشكال:
وذلك أن الله عز وجل قال: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وأخبرنا الله في كتابه أنه هو الذي يضحك ويبكي، فكيف يعذب الميت بما يفعله من طبيعته وفطرته، ثم ما الذي يلحق الميت من هذا البكاء الواقع من الحي فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟
وأجاب أهل العلم عن ذلك بأجوبة، أصحها جوابان.
لجواب الأول: وهو ما سلكه جمهور أهل العلم: أن ذلك فيمن أوصى بالبكاء عليه البكاء غير المشروع الذي فيه ندب ونياحة ونحو ذلك، أو يعلم من طبيعة أهله وعادتهم الندب والنياحة ومع ذلك لم يكن منه إنكار لذلك وتوصية بعدم فعل ذلك، فيصل إليه العذاب في قبره لأنه غير منكر بذلك راض به.
والجواب الثاني: ما سلكه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم: أن العذاب المذكور إنما هو التألم والأذى، والتألم والأذى ليس مما يقع فيه الإشكال المتقدم، فإن الإنسان يتألم ويقع في قلبه الحسرة ونحو ذلك من غير أن يقع عليه شيء من العذاب، وقد قال صلى الله عليه وسلم في السفر: (إنه قطعة من العذاب) ، وقال تعالى: {لن يضروكم إلا أذى} ، فلما نفى الله الضرر من الكفار لم ينكر الله وقوع الأذى والألم النفسي ونحو ذلك، فمثل هذا أمر ليس من باب العذاب، بل الله عز وجل يتأذى ورسوله كما في الحديث القدسي: (يؤذيني بن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) .