وهذا يوافق ظاهر الحديث، فإن ظاهره أن البكاء يعذب كل ميت، وأن كل ميت يعذب ببكاء أهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك لما حضر سعد بن عبادة وكان عليه غاشية من أهله فقال صلى الله عليه وسلم – وقد بكى وبكى من حوله -: (لا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم وإن الميت ليعذب ببكاء أهله) .
فحينئذ: يتبين أن مراده البكاء غير المشروع، وثانياً: العذاب المعنوي وهو التألم النفسي وأنه يتألم لما يقع من أهله مما يخالف شرع الله عز وجل.
ومعلوم أن الصالح يتألم من وقوع الناس في المنكر. فهذا الميت يتألم من وقوع أهله في هذا المنكر، كما يتألم لو كان هذا البكاء على ميت غيره وهو حاضر بين أيديهم فكذلك يؤلمه وهو في قبره.
قال: (ويحرم الندب والنياحة)
الندب: هو ذكر محاسن الميت على وجه التسخط، فهذا هو الندب المحرم.
أما ذكر شيء من ذلك لا على سبيل التسخط فإن هذا لا بأس به، وقد ثبت في البخاري عن أنس قال: (لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتغشاه - أي الموت – قالت فاطمة: وكرب أبتاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب
رباً دعاه، يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه) .
فهذا من الندب لكنه ليس من الباب المتقدم الذي فيه تسخط على قدر الله وعدم رضا بما يوقعه الله من المقدرات من موت ونحو ذلك.
فالندب المحرم هو: ذكر الميت بمحاسنه وفضائله على وجه التسخط، ويصحبه في الغالب رفع صوت بالبكاء وهو النياحة، فالنياحة أن يرفع الصوت بالبكاء مع ذكر محاسنه كما تقدم.