فما ذهب إليه الحنابلة – وهو اختيار شيخ الإسلام – ظاهر وهو استثناء الحاجة، كأن تكون المدينة كبيرة متباعدة الأطراف أو أن يكون المسجد لا يسعهم، أو أن يكون هناك عداوات تقتضي إقامة الجمعة أكثر من موضع لئلا تقع الفتنة بين الناس.

ومثل ذلك صلاة العيد عندهم فإنها لا يجوز أن تقام إلا في مصلى واحد إلا أن يحتاج الناس إلى مصليات أخر، فإنها تقام فيها بقدر الحاجة إلى ذلك.

قال: (فإن فعلوا فالصحيحة ما باشرها الإمام أو أذن فيها فإن استويا في إذن الإمام أو عدمه فالثانية باطلة وإن وقعتا معاً أو جهلت الأولى بطلتا)

فإن فعلوا: فأقيمت جمعة أخرى ولا حاجة لذلك ففي مسألة الصحة والبطلان تفصيل وهو:

أنه إذا تميزت أحد هذه الجمعات بميزة كأن تكون هي جمعة الإمام أي التي يصلي فيها الأمير أو الحاكم أو تميزت بأن لها إذن الإمام، وأما غيرها من الجمعات فلا إذن له، أو تميزت بأنها في وسط البلد كما يكون هذا في الجوامع الكبيرة، فإذا تميزت جمعة بأحد هذه الميزات فإنها هي الصحيحة وما سواها فجمعة باطلة، وعليهم حينئذٍ أن يعيدوا صلاتهم ظهراً.

" فإن استويا في إذن الإمام أو عدمه ": يعني كلاهما مأذون فيه أو كلاهما ليس بمأذون فيه، أو كان كلاهما له ميزة يتميز بها عن الآخر فالثانية باطلة، فالسابقة هي الصحيحة؛ لأن لها السبق ولأنها صليت حيث شرع ذلك ولا مزاحم لها فكانت هي الجمعة الصحيحة.

أما الجمعة الأخرى فإنها باطلة لأنها مسبوقة بجمعة مجزئة فتكون باطلة.

واعتبار ذلك في المشهور من المذهب بتكبيرة الإحرام، فإذا كبر تكبيرة الإحرام إحدى الطائفتين قبل الأولى فصلاتهم هي الصحيحة، ومن كبرت بعدها فصلاتها هي الباطلة.

وقال بعض الحنابلة: بل بالشروع في الخطبة، فإذا شرع أحد المسجدين بالخطبة قبل الآخر وإن شرع بعده بتكبيرة الإحرام فإن جمعته هي الصحيحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015