قالوا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه كان يقام في المدينة جماعات كثيرة كما كان في مسجد قباء ومسجد بني سلمة وغيرهما فإنها كانت تقام فيها الجماعة، وأما الجمعة فلم تكن تقام في غير مسجده - صلى الله عليه وسلم -، فدل على أن إقامتها إنما تشرع في مسجد واحد، فلا يقام في أكثر من مسجد؛ لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل خلفائه الراشدين وهكذا كان الأمر في عصر الخلفاء الراشدين الأربعة، فلم تكن تقم في البلدة إلا جمعة واحدة.
وكانت المدينة بريداً - × - في بريد، أي ما يقارب 18كم × 18كم، كانوا جميعاً يحضرون جمعته، ولم تقم في المدينة سواها.
واستثنى الحنابلة الحاجة، فإذا كان هناك حاجة إلى إقامة جمعة أخرى فإنه لا بأس بذلك، لأن الشريعة قد أتت برفع الحرج.
فإذا كانت المدينة كبيرة كما يكون هذا في العواصم ويشق على الناس أن يأتوا من أقطارها المتباعدة، أو يكون المسجد لا يسعهم فتزدحم شوارعه ونحو ذلك فإن هذا حرج يقتضي إباحتها وهو اختيار شيخ الإسلام وهو القول الراجح.
- وقال الجمهور: لا يجوز ذلك مطلقاً حتى للحاجة فلا تقام إلا في مسجد واحد.
وعليه: فإن الناس يصلون ظهراً.
فمثلاً: إذا ازدحم المسجد أو كان في الحضور مشقة فإنهم يصلون في مساجدهم ظهراً ولا يقيمون جمعة أخرى؛ لأنه لم يقم في مدينته - صلى الله عليه وسلم – مع كونها متباعدة الأطراف إلا جمعة واحدة.
وأجاب عنهم الحنابلة: بأن الحاجة لم تثبت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأن المدينة وإن كان في أطرافها تباعد لكنها سهلة السُبل فلم يكن هناك ازدحام شديد وكان المسجد يسعهم. ثم لو أثبتنا الحاجة لهم فإنهم إنما لم يقيموها لكونهم يؤثرون جمعته ولا يرغبون بخطبة بغير خطبته صلى الله عليه وسلم مع سهولة حضورها وإن كان يلحقهم شيء من الحرج، بخلاف الصلوات المتكررة فإنهم يشق عليهم أن يرتادوا مسجده مع تباعد محالهم، وهذا جواب ظاهر.