وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا موسى لما قال: أهللت بإهلال كإهلال النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: ((أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة)) هذا أمر متفق عليه؛ ولحديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: ((يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك)) لو لم يكن لازماً احتجنا إلى مثل هذا التعبير؟ نعم؟ هي كأنها رأت أنه لا يجزئها سعيها الأول، بل لا بد من سعي ثاني، فهمت هذا وأقرها النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا الفهم، لم ينكر عليها ما قال: إن السعي ليس بلازم، وإنما قال: السعي الذي سعيتيه أولاً يجزئ عن الحج والعمرة.
استدل أبو حنيفة على وجوبه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سعى وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) يعني وغاية مثل هذا الفعل أن يكون واجباً، غاية ما في مثل هذا النص أن يكون واجباً مع قول ابن عباس: "من ترك شيئاً من نسكه فليهرق دماً" يعني يلزمه بدم؛ لأنه ترك واجباً ما ترك ركن، والراجح في هذه المسألة لا شك أنه قول الجمهور؛ لقوة ما استدلوا به وكثرته.
الآية التي استدل بها من قال بالسنية .. ، استنكرت عائشة -رضي الله عنها- على عروة الفهم الذي فهمه مثل هذا، حيث فهم عدم الوجوب وبينت أنها نزلت جواب لسؤال من ظن أن في السعي بين الصفا والمروة جناحاً حيث كان الأنصار قبل الإسلام يهلون لمناة، فإذا أهلوا لا يحل لهم أن يطوفوا .. ، يعني في الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة حينئذٍ ما دام يطوفون بين الصفا والمروة من أجل مناة كأنهم وجدوا في أنفسهم أنهم لا يجوز لهم أن يهلوا بينهما؛ لئلا يشابهوا فعلهم الجاهلي، فنفى الله -سبحانه وتعالى- الجناح ليرتفع الحرج عن صدورهم حتى لا يبقى فيها أدنى قلق.
تقدم قول بعضهم: إن المبيت في مزدلفة ركن من أركان الحج، كما تقدم أيضاً أن الصواب أنه واجب ليس بركن ولا سنة، فلا حاجة لإعادته.