قوله: "ووجد زاداً وراحلة" الزاد هو الطعام والشراب كما هو معروف، والراحلة المركوب، وقوله: "صالحين لمثله" يعني زاد وراحلة يناسبانه، والناس يتفاوتون في هذا، تأتي إلى شخص من علية القوم، وتقول له: يلزمك الحج وهذه السيارة موجودة، نعم؟ قد تعود على السيارات الفارهة والمراكب الوثيرة تأتي له بسيارة دون ما راضي، ومثله لو كان الأكل والشرب لا يناسبه، نعم إذا كان لا يطيقه شيء وكون لا يرتفع إلى مستواه شيء أخر، وكون الزاد الموجود يضره شيء أيضاً تنبغي ملاحظته، لكن بعد توافر النعم في العصور المتأخرة قد لا يرد مثل هذا الكلام على أن من أهل من يرى أنه إذا وجد راحلة توصله إلى المشاعر لزمه الحج مهما كان التفاوت بينها وبين ما كان يركبه، ومثله الزاد تعود على آكل معين يأكل المرققات، يأكل الجوارش والمقبلات ثم عاد إذا حج تنقطع هذه الأمور، ولا يجد إلا البلغة يلزمه الحج؛ لأن طبيعة السفر تختلف عن طبيعة الحضر، فالسفر كما في الحديث الصحيح قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فعلى الإنسان إذا انتهى من سفره، وقضى نهمته، يعجل إلى أهله؛ لكي يعيش عيشته العادية، على كل حال عليه أن يتحمل، وهي أيام لا سيما في مثل هذه الأزمان، نعم قد توجد المشقة الشديدة في السابق الطريق شهر والرجوع شهر، والمكث هناك أيضاً طويل، أما الآن الحج أربعة أيام، الحج كله أربعة أيام من أوله إلى أخره، مهما تحمل من المشقة لن يضره -إن شاء الله تعالى-.
روى الترمذي بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: ((الزاد والراحلة)) وقال: هذا حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج، يقول الترمذي: "وإبراهيم -يعني راويه- هو ابن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه".
كلام الترمذي خفيف، تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، الرجل متروك يكفي أن يقال فيه: تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه؟ لا يكفي، وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقاً من تساهل الترمذي في أحكامه على الأحاديث وعلى الرواة.