قوله: "على الفور" لحديث: ((تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس، وكون الحج على الفور هو قول أبي حنفية ومالك مع أحمد، وبه قال أكثر العلماء، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجمع غفير من أهل العلم، قال الشافعية وبعض المالكية هو على التراخي قياساً على الصلاة؛ لأن الصلاة يجوز تأخيرها عن أول وقتها إلى أثنائه بل إلى آخره، والعمر قالوا: هو وقت الحج، يجوز أن يؤخر الحج على قول هؤلاء -يعني الشافعية وبعض المالكية- إلى أثناء العمر أو أخره، مع أنه لا بد أن يعزم على الحج كما أنه عليه أن يعزم على أداء الصلاة في وقتها ولو أخرها عن أول وقتها، الشافعية وبعض المالكية الذين قالوا: إن الحج على التراخي من أقوى ما يستدلون به أن الحج إنما فرض في السنة السادسة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] ولم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا في السنة العاشرة، تأخر أربع سنوات دل على أنه على التراخي، الذين قالوا: إنه على الفور قالوا: إن الحج الصواب فيه إنما فرض في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله -سبحانه وتعالى- قبل ذلك؛ لأن فرضه إنما كان بقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [(97) سورة آل عمران] وهذه إنما نزلت في سنة الوفود سنة تسع التي نزل فيها صدر سورة آل عمران، كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يحج سنة تسع، بل أمر أبا بكر أن يحج بالناس لئلا يرى المشركين يطوفون بالبيت وهم عراة، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطهر البيت من المشركين، وألا يرى هذه المناظر القبيحة.
يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" مخرج في الصحيحين وغيرهما، وكان هذا في حجة أبي بكر سنة تسع من الهجرة، فكونه أخر الحج من سنة تسع إلى عشر لهذه العلة، فلا يدل على أن الحج على التراخي.