من الأبواب التي يذكرها الإمام النووي رحمه الله في التبيان: باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان.
وتعاهد القرآن بمعنى: أن تحفظ وتراجع، ولا يكفي أن تحفظ.
وإن الذي يحفظ القرآن يتفلت منه بسرعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أنسي آية وهو يصلي بالناس، وذكره بها أبي بن كعب رضي الله عنه بعد الصلاة، فكيف بغيره صلوات الله وسلامه عليه؟! فالقرآن يتفلت من الإنسان.
وإذا كان الإنسان يراجع فهو معذور، وأما الذي ترك القرآن فلا يراجع ولا يقرأ ومع هذا يقول: أنا حافظ، فهذا هو المقصر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها).
(تعاهدوا) أي: راجعوا، وحافظوا على ما تحفظون من القرآن، وراجعوا كل يوم، واجعلوا لكم وقتاً للمراجعة، وداوموا على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن) أي: اجعل للقرآن وقتاً تتعاهده فيه، حتى تراجع ما تحفظ، ولا يتفلت منك، وتأس بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان جبريل ينزل عليه كل سنة في رمضان فيراجع مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يحفظه من القرآن، ويتدارسه معه.
وفي هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا)، أي: حافظوا على قراءة القرآن، وواظبوا على تلاوته، (فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً) أي: يتفلت من الإنسان، ويخلص منه ويذهب ويتركه (من الإبل في عقلها)، أي: مثل الجمل حين يبقى مربوطاً في عقاله ويحاول أن يفلت منه ليمشي، وكذلك القرآن إن لم تحافظ عليه فإنه يضيع منك ولن تستطيع أن تتذكره.
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت)، وهو هنا يضرب المثل بما في البيئة عندهم، فإن الرجل منهم إذا كان عنده جمال فربطها وواظب على أن ينظر إلى الحبل الذي ربطها به أهو سليم أو غير سليم فقد حافظ عليها، وأما إذا غفل عنها فإنها تذهب عنه فلا يجدها.
وكذلك القرآن، فإننا إذا لم نتعاهد كتاب الله عز وجل بالمذاكرة والحفظ والمراجعة فإننا سوف ننساه.