عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
قوله: (لم يبلغ الحنث) يعني: لم يبلغ أن تكتب عليه الذنوب، ويكتب للإنسان الحسنات من ساعة ولادته، ولو أن الأب أخذ ابنه وحج به وهو رضيع صغير يكتب له حجة وأجر، فإذا مات على ذلك فله أجر وليس عليه أي وزر ولا أي ذنب.
والولد أحب ما يكون إلى أبيه وإلى أمه وهو صغير لم يبلغ أن يؤذيهما أو يعصيهما ويعقهما، فإذا توفي يكون الألم شديداً في قلب الأب وقلب الأم، فالله عز وجل يعوضهما بفضله سبحانه وتعالى الصبر، وينزل المعونة على قدر المئونة، وينزل الصبر على قدر البلاء.
والإنسان لا يدري لو نزلت عليه هذه المصيبة هل سيصبر أو لا؟ فقد يقول: سأصبر وأعمل، ولا يقدر على ذلك، ولعله يقول: لا أستطيع أن أصبر على هذا الشيء؛ فهو شاق جداً، نسأل الله العفو والعافية، فإذا به ينزل البلاء وينزل معه الصبر من الله سبحانه وتعالى، فتعجب للإنسان المؤمن حيث يثبته الله عز وجل ويقوي قلبه، ويربط عليه، ويجعله ثابتاً حامداً شاكراً، ويعوضه بالإيمان في الدنيا، ويعوضه بالجنة وبيت الحمد في الآخرة كما ذكرنا في حديث سابق.
فيرحم الله عز وجل هؤلاء ويرحم الآباء الذين صبروا على ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) أي: برحمة هؤلاء الذين توفوا، فيدخل الله آباءهم الجنة.
وفي المتفق عليه أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم) والقسم هو قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:71]، فهذا قضاء لابد وأن يكون، وكل إنسان لابد أن يرد على النار.
والورود هو المرور فوق الجسر المضروب على جهنم، فكل إنسان لابد وأن يمر عليه، فمن الناس من يمر سريعاً، ومنهم من يبطئ به عمله، ومنهم من يهوي في النار والعياذ بالله.
والإنسان الذي توفي له ثلاثة من الولد يرحمه الله عز وجل فلا يعاني ولا يقاسي في المرور على الصراط إلا تحلة القسم.
وتحلة القسم هنا أن يمر على الصراط ولا يدخل النار، بفضل الله سبحانه وتعالى، وهذا إذا صبر على أمر الله سبحانه وتعالى.
والصابر له الفضل وله الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى، والذي لا يرضى بقضاء الله وقدره ليس له حيلة، فلن يدفع قضاء الله عز وجل وقدره، ولذلك فالمؤمن يتصبر، وقالوا: إما أن تصبر صبر الكرام وإما أن تسلو سلو البهائم.
أي: إما أن يكون الإنسان كريم النفس عفيفها، صابراً لمقادير الله سبحانه وتعالى متجلداً، فسيأتي عليه يوم من الأيام يسليه فيه ربه ويذهب عنه الغم الذي هو فيه.
وأما أن يتسخط فيرفع صوته، ويلطم ويشق ثيابه، ويشد شعره، ويكون كافراً لربه سبحانه، ولن يحصل له بذلك عودة ميته، ويظل على ذلك إلى أن يذهب صوته، وتتمزق ثيابه، ويمرض ويتعب ويستحق العذاب يوم القيامة، إذاً فهي مصيبة في الدنيا ومصيبة في الآخرة؛ لأنه لم يصبر على قضاء الله وقدره.
وكان العرب في الجاهلية يضربون المثل برجل كان يسمى حماراً، فيقولون: أكفر من حمار.
فهذا الرجل مات له أولاد، فتسخط على الله عز وجل، وأظهر الاعتراض على الله عز وجل، بل أظهر أشد ما يكون من الاعتراضات، ولم يزل على ذلك حتى أخذه الله بصاعقة صعقته فقتله سبحانه وتعالى.
فلما لم يصبر ولم يكسب من الدنيا شيئاً إلا الخزي والعار، وهذا جزاء الإنسان الذي يكفر بربه سبحانه، ويعترض على قضاء الله سبحانه وتعالى فيما حدث لأولاده.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا حجاباً لها من النار) وهذا كما قال للرجال: (ما من مسلم يقدم)، (فقالت امرأة: واثنين؟) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (واثنين) وكأنهن استحيين أن يسألن عن الواحد فلم يسألن، ولكن يغني عن ذلك ما ذكرناه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي عند الترمذي وغيره، وذكر فيه: أن الله عز وجل إذا قبض ابن عبده أرسل ملائكة، فإذا عادوا إليه سألهم وقال: (قبضتم ولد عبدي؟ قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، قال: فماذا قال؟ قالوا: استرجع وحمد الله، قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد).
فبنى لعبده بيتاً في الجنة؛ لأنه صبر على واحد، فعرفنا أن الصبر على جميع المكاره فيه الأجر العظيم من الله سبحانه، والمؤمن يسأل الله عز وجل العفو والعافية، فإذا نزل البلاء صبر وتصبر كما أمر الله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200].