جاء في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: (بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال) فهو يشكي للنبي صلى الله عليه وسلم ما بلغ به من المرض، وقد ظن سعد بن أبي وقاص أنه سيموت في هذا المرض، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه لن يموت في ذلك المرض، بل سيعمر فوق ذلك، وحدث ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
فـ سعد بن أبي وقاص شكى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعه فلم ينكر عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه تلك الشكوى، فلما اشتكى وجعه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال) أي: عندي مال، (ولا يرثني إلا ابنتي) وكان في ذلك الحين يظن أنه سيموت، فأراد أن يتصدق بماله كله، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: النصف، فقال: (لا، قال: الثلث، قال: الثلث والثلث كثير) أي: لك أن توصي بالثلث والثلث أيضاً كثير، وقال له: (لعل الله سبحانه وتعالى أن يمد لك في عمرك)، وكان ما قال، حيث عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمناً طويلاً.
ومن الأحاديث حديث جاء فيه أن عائشة قالت في يوم من الأيام: وارأساه! حيث اشتكت صداعاً أصابها رضي الله تعالى عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من جنازة عليه الصلاة والسلام وهو أيضاً يشتكي من رأسه عليه الصلاة والسلام، حيث أصابه صداع في رأسه، وكان ذلك هو بدء مرض وفاته عليه الصلاة والسلام.
فالسيدة عائشة تشكو من الصداع وتقول: وارأساه! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بل أنا وارأساه) أي: أنا أتألم أكثر منك، ثم قال: (ما ضرك لو أنك مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك) وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم إخبار بأحكام شرعية وهي أن السيدة عائشة رضي الله عنها لو ماتت قبل النبي صلى الله عليه وسلم لقام هو عليها فغسلها وكفنها وصلى عليها.
وكونه يقول ذلك فيه جواز أن يغسل الرجل امرأته بعد وفاتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لن يتكلم إلا بوحي من الله عز وجل، ولن يفعل إلا ما يجوز، فيقول: (ما ضرك أن لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك) فهذا قاله صلى الله عليه وسلم وبدأ به الوجع من ذاك الحين.
فالشاهد من الحديث: أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (وارأساه!) متوجعه من الصداع ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال هو أيضاً: (بل أنا وارأساه) عليه الصلاة والسلام، ففيه جواز قول المريض: إني أتوجع، أو رأسي يؤلمني، أو بي مرض، أو الألم شديد بي، بشرط ألا يكون على وجه التسخط، بل الإخبار عما به مع عدم المبالغة في ذلك.