قوله سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24]، فقد وصف الله أضياف إبراهيم بأنهم مكرمون كرمهم الله، وكانوا ثلاثة من الملائكة، قال: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا} [الذاريات:25]، فسلموا على إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، {قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:25] فكأنه رد عليهم السلام ثم قال في نفسه: هؤلاء قوم منكرون، فأول مرة أرى مثل هؤلاء الشبان، وكانوا حسان الوجوه، فعجب من أمرهم وأنهم ليسوا من أهل هذه البلدة، فقال في نفسه ذلك، قال سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:24 - 25].
ثم قال المؤلف رحمه الله: [ومن الأحاديث: ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الإسلام خير؟) - يعني: أي خصال الإسلام خير؟ وكأنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: خصال الإسلام كثيرة وأنا أحاول أن أعمل بها، فما هي الخصال التي أتمسك بها؟ وما هي أفضل هذه الخصال؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تطعم الطعام)، ففيه دلالة على الكرم، وكأنه يقول: كن كريماً، لكن كل إنسان يرى الكرم من منظوره الخاص فيقول: أكون كريماً بأن أعامل الناس معاملة حسنة، أكون كريماً بأن أفعل كذا وكذا، فهو يقول هنا: (تطعم الطعام)، فإذا كان الإنسان يبذل ماله وطعامه فمن باب أولى أن يبذل الندى للناس وحسن الخلق.
قال صلى الله عليه وسلم: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)، وهذه من الخصال العظيمة المفقودة في كثير من المسلمين، وهي: أن تقرأ السلام بمعنى: أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف، فقد صار الحال الآن أن الإنسان يسلم على من يعرفه فقط، أما الذي لا يعرفه فإنه لا يقول له أي شيء! مع أنه قد يكون صلى معه في المسجد، ولكن الحديث يعلمنا أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين راجياًً الأجر من الله عز وجل، وليس شرطاً أنك إذا سلمت عليه فسيكون صاحبك أو سينتفع بك وتنتفع به، لكنك تبتغي الأجر من الله سبحانه، فكل كلمة في السلام فيها عشر حسنات، بل إن خيرهم الذي يبدأ بالسلام.