السلام مما ميزت به هذه الأمة، فقد أمروا بأن يسلم بعضهم على بعض، وأمروا بإفشاء السلام بينهم حتى تكثر المحبة بين المؤمنين بسبب هذا السلام العظيم.
وقد علم الله سبحانه السلام آدم وهو في الجنة، فتعلمه من الملائكة وتعلم رده، وأخبره أن هذا السلام هو تحيتك وتحية أمتك من بعدك عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
والسلام: من أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى، فالله هو السلام سبحانه وتعالى.
وللسلام معان كثيرة منها: أولاً: السلامة من العيوب.
ثانياً: ما جاء فيه من الطمأنينة والأمن والسلامة والخير من وراء ذلك.
ثالثاً: أنه اسم من أسماء الله الحسنى، فالله هو السلام ومنه السلام، فهو يحيي أهل الجنة بالسلام، وتحييهم الملائكة بالسلام، بل وسمى الجنة دار السلام فقال: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23].
وقد حسدت اليهود المؤمنين على هذا السلام، وأنهم يحيون بعضهم بعضاً بالسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين)، والتأمين: أن تقول: آمين، وذلك عندما يدعو أحدكم ويؤمن الآخرون، أو عندما يقرأ الفاتحة فتقول: آمين، ويقول الإمام: آمين، ويوافق تأمينكم وتأمين الإمام تأمين الملائكة فيغفر الله عز وجل لكم ما تقدم من ذنوبكم.
قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27]، فقوله: (حتى تستأنسوا) من الأنس: ضد الوحشة، فإذا أردت أن تدخل بيتاً غير بيتك فعليك أن تستأنسه؛ لكي يستشعر أهل البيت منك الطمأنينة والأمان فيأنسون بك، هذا قبل الدخول، فلا تهجم على باب البيت لتفتحه وتدخل حتى وإن قلت السلام عليكم قبل ذلك، قال تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور:27]، أي: يستأنس بك أهل البيت، وتستأنس أنت من هؤلاء.
ولذلك جاءت عن المفسرين بذلك أقاويل مضمونها: أن تطمئن أهل البيت بنحنحة عند الدخول، أو بذكر الله عز وجل بصوت مرتفع، حتى يستشعر من بالداخل أن هناك إنساناً بالخارج يريد أن يستأذن ويدخل، ثم تقول: السلام عليكم أأدخل؟ فتطمئن أهل البيت أنك ما جئت إلا لخير بهذا الإيناس، ثم تطمئن أهل البيت ثانية بأن تقول: السلام عليكم، فتستأنس وتسلم على أهل البيت.
وقد كان العرب في الجاهلية يتركون التحية إذا قويت العلاقات فيما بينهم، فلعل الرجل يأتي إلى أقربائه فيفتح الباب ويدخل ويجلس، ثم بعد ذلك يقول: قد دخلت! وقد أرادوا أن يفعلوها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الرجل أن يخرج وأن يسلم ويستأذن من عند الباب ثم قال لمن معه: (هلا علمتم هذا السلام؟ فخرج الرجل وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن قبل أن يدخل).
إذاً: لا يوجد شيء اسمه: أنا متعود عليك وأنت متعود، بل لا بد من الاستئذان مهما كانت العلاقة بيني وبينك، يقول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، ومع هذه العلاقة القوية أمروا أن يستأذنوا قبل دخولهم على النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو أيضًا صلوات الله وسلامه عليه الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كان إذا ذهب إلى بيت سعد بن عبادة وقف خارج البيت وقال: (السلام عليكم أأدخل؟) فيرد أهل البيت على النبي صلى الله عليه وسلم سراً؛ لأنهم يريدون أن يستكثروا من سلامه ودعائه وتحيته صلوات الله وسلامه عليه، فيسلم المرة الثانية وهم يردون عليه في سرهم، ثم سلم عليهم المرة الثالثة صلى الله عليه وسلم ولم يدخل البيت، فخرج أهل البيت ونادوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنما أردنا الاستكثار من سلامك والبركة من وراء ذلك، فأخبرهم بأن الاستئذان ثلاث مرات فقط، وأن الإنسان ينصرف بعد ذلك.
وهنا يقول الله تعالى عن التسليم: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27]، وليس التسليم راجعاً لهوانا، أو أن كل واحد منا يختار السلام الذي يعجبه، وإنما علم آدم هذا التسليم وجعله تحيته وتحية ذريته من بعده، قال الله عز وجل {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} [النور:61]، وبيوتاً هنا: نكرة، فإذا دخلتم بيوتاً فليسلم بعضكم على بعض، وهذا معنى قوله سبحانه: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النور:61]، إذاً: فالسلام ليس تحية من عندك أنت، بل الله علم آدم وعلم بني آدم هذه التحية، تحية من عند الله من ورائها البركة والشيء الطيب العظيم، قال: {مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]، فالسلام دعاء بالحياة الطيبة والحياة المباركة.
وقال سبحانه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، فالله يعلمك أنه إذا حياك إنسان بتحية أن تحييه بأحسن منها أو أن ترد هذه التحية، فإذا قال: السلام عليكم، فرد عليه بأفضل منها: وعليك السلام ورحمة الله، أو مثلها: وعليك السلام، فإما أن تزيد وإما أن تردها كما هي بلا زيادة.
والسلام على المؤمن سنة، وهو شيء مستحب عظيم، أما رد السلام ففرض عليك طالما لا يوجد غيرك يرد السلام، فإذا كنتم مجموعة وحياكم شخص معين فإن رد السلام حينئذ يكون فرضاً كفائياً، أي: أنه إذا رد البعض سقط الإثم عن الجميع، ويؤجر هذا الذي رد، وإذا رد الجميع كلهم أخذوا الأجر على ردهم.