عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله تعالى، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وفي رواية: فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره) في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا رأى الرؤيا الطيبة التي يفرح بها، فهي من الله سبحانه وتعالى، فليحمد الله سبحانه وتعالى عليها، وليحدث بها، ولكن يحدث من يحب، فالناس إما محب لك الخير، وإما مبغض لك يكره لك الخير، ويحسدك على ما أنت فيه من نعمة، فهذا لا تقص عليه مثل ذلك، إذا قصصت عليه ذلك ازداد حسداً وازدادت غيرته، فلعله يؤولها بشر ويكون ما يؤوله لك حقيقة، فلذلك لا تقص الرؤيا إلا على إنسان يحبك، والذي يحبك إذا عرف بهذه الرؤيا شيئاً من الشر قال: خيراً، خيراً لنا وشراً لعدونا، وإذا وجد فيها خيراً بشرك بهذا الخير الذي فيها، هذا إذا كان يفهم تأويل الرؤيا، وإذا كان لا يفهم تأويلها سيقول: خيراً من الله سبحانه، ويقول: من ورائها الخير، فيخبرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تقص الرؤيا على الإنسان الذي يحبك، وليس على الإنسان الذي لا يحبك، هذا في الرؤيا الصالحة الطيبة.
لكن الرؤيا السيئة التي تسوء المؤمن وهي الحُلْم فلا يحدث بها؛ لأنه إذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره، وأحياناً يرى الإنسان كابوساً وهو نائم، فيقوم من النوم مفزوعاً، فيرى أشياء قد يكون من ورائها شر لهذا الإنسان، والرؤيا التي يراها في المنام غيب، ونحن لا نفهم في أمر الغيب، فالغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يدلنا على أشياء فلنتمسك بما قال، فأخبر صلوات الله وسلامه عليه أننا لن نطلع على الغيب، ولا نعرف ما الذي يكون في الغد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حذرك من شيء فلتحذر ولتلتزم الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الخير من ورائه.
وجاء في الحديث: (الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت) وليس هناك شيءٌ يستقر على قدم الطائر، فالطير إذا كان واقفاً على الأرض وجعلت فوق رجله شيئاً، فإذا طار الطائر سقط هذا الشيء، فكأن الرؤيا معلقة في مكانها تنتظر من يؤولها، فإذا قصصتها على إنسان يحبك حدثك بخير فكان خيراً من ورائها إذا شاء الله سبحانه، ولعلك تقصها على جاهل لا يفهم، أو إنسان يبغضك فيؤولها على شر ما يراه، فيقلب لك الشيء، وقد يكون هذا الذي قاله، فقد تعلَّق حوادثُ على كلمة يتلفظ بها إنسان، والله يفعل ويقضي في ملكه ما يشاء سبحانه وتعالى، لذلك يعلمك النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا رأيت الرؤيا الصالحة أن تقصها على من تحب ومن يحبك، وإذا رأيت غير ذلك فلا تكلم بها أحداً، فإنها لا تضرك، وكان من الصحابة من يرى الحُلمُ في منامه فيرى الكوابيس التي تفزعه، فلا يستطيع أن ينام أياماً وليالي ويحزن ويبقى متشائماً من هذا الذي يراه، حتى حدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه من تهاويل الشيطان ومن أضغاث الأحلام، ولا يلتفت إليها، وعلمهم ما يقولون إذا استيقظ أحدهم من منامه، فذهب عن الرجل ما كان يجده من جراء هذه الكوابيس.
إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أنه إذا رأيت الرؤيا الصالحة فلتقصها على من تحب أو يحبك، وإذا رأيت غير ذلك فلا تحدث بها أحداً لا الذي يحبك ولا الذي يكرهك، ولعلها تكون من تلاعب الشيطان بك.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقص عليه رؤيا في زعمه، وظن أنها رؤيا يراها فقال: رأيت رأسي تجري أمامي وأنا أجري وألحق بها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يتحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به؟) وهل هناك أحد يحكي مثل هذا الشيء؟ فلا يتحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به، فلا تجعل نفسك سخرية أمام الناس، بأن تحكي شيئاً من التهاويل والأضغاث، فلا تقصها على أحد، ولكن تقص الرؤيا الصالحة، وليس معنى هذا: أنك كلما ترى رؤيا تصبح الصبح فتبحث عن أناس لتخبرهم بها، مثل كثير من إخواننا كل يوم يخبروننا برؤى! نحن نشرح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أنت رأيت رؤيا صالحة، فقصها على من تحب ممن يفهم تأويل الرؤى، فلا داعي أن نجد في الصباح الكثير من الإخوة يقص علينا الرؤى!