عن أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) فعلامة الإيمان أن المؤمن يكرم الضيف، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بطاعة الله عز وجل، وينقص بمعصية الله سبحانه.
فمن خصال الإيمان التي يقوى بها إيمان الإنسان: إكرام الضيف، فعندما ينزل عليه ضيوف لا يتأذى بضيوفه، ولكن يفرح بمجيء الضيوف، ويكرم الضيوف بحسب ما يسر الله عز وجل لهذا الإنسان.
والإنسان الكريم لا يتركه الله عز وجل أبداً، وكلما كان كريماً مع الخلق فإن الله تعالى يكرمه ويعطيه، والبيت الذي يأكل فيه الضيوف ويكثر أصحابه من الصدقة إذا كان أصحابه فقراء يكرمهم الله تعالى ويشعرهم بالغنى، وإنك قد تجد الإنسان فقيراً ينزل عليه الضيف فيفرح بذلك الضيف الذي عنده، ويتكلف للضيف ويطعمه ويسقيه ويكرمه حتى يخرج من عنده، فهذا الإنسان الكريم إيمانه قوي، وهذا الإكرام للضيف دليل على قوة الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) وصلة الرحم هي أن يزور الإنسان أرحامه ولا يقطعهم، فيزور أباه، ويزور أمه، ويزور أخاه، ويزور أخته، وعمه، وخالته، وأبناء أعمامه، وأبناء أخواله وهكذا.
وقد جعل الله عز وجل عباده شعوباً وقبائل للتعارف، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13]، فالإنسان المؤمن يحب أن يعرف المؤمنين، وأن يصاحبهم، فيرى الخير في ذلك، فإنهم ينفعونه في دينه، وينفعونه في دنياه، وينفعونه في أخراه.
ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، فيمشي الإنسان المؤمن مصاحباً إنساناً مؤمناً آخر, فينتفع به في الدين والدنيا.
وقال: (لا يأكل طعامك إلا تقي)، فالضيف الذي أنزله في بيتي لا بد أن يكون إنساناً تقياً، لا إنساناً شرساً غبياً، ولا إنساناً فاجراً شقياً، فالمؤمن يصاحب التقي الذي ينتفع به.
فالتقي إذا نزل عندك في بيتك فقدمت له ما وجدت، فأكل وحمد الله سبحانه وتعالى، ولم يستقل ما قدمته، بل يستكثره، ويخرج من عندك وهو يمدحك ويشكرك، ويكن لك الجميل، ويقول لك: أكلنا مع بعضنا العيش والملح، ولا يقول: أكلنا كذا وكذا، وأقل شيء تقدمه له يرتاح له، ويشكرك على ذلك.
وأما الإنسان السيئ الشرير الشرس في أخلاقه الفاجر فإنه يدخل بيت الإنسان فيطلع على عوراته، ويأكل فلا يعجبه طعامه، فإذا خرج من عنده ذمه وقدح فيه، ويقول: رأيت كذا ورأيت كذا، وبيته فيه كذا، وبيته ينقصه كذا.
فمثل هذا لا تصحبه، ولا تدعه إلى بيتك.
قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كان يؤمن بالله واليوم فليقل خيراً أو ليصمت)، قوله: (أو ليصمت) معناه: يسكت، فإما أن تتكلم بخير، وإما أن تسكت، فراقب كلامك دائماً، فإن كان في خير فقل الخير ولا تمل الناس، وإذا كان الكلام في شر فكف لسانك وروض نفسك على ألا تتكلم في كل ما تشتهي، واللحظات تمضي والعمر يمضي ويفوت، فمن قال: أنا لا أستطيع أن أمسك لساني، نقول له: جرب ذلك، فأمسك لسانك عندما تجد أنك تتكلم وأنك تذم وتشتم وتغتاب، وقل للسانك: اسكت قليلاً.
ولتمض هذه الساعة، وبعد ذلك فكر، فإذا مرت ساعة وراء ساعة فإنك في الأخير سوف تنسى؛ لأن الزمن يمضي والإنسان نسّاء، فإذا اعتدت على ذلك تعود لسانك على أن لا يتكلم كل وقت في كل شيء، فما كان من خير فقله، وما كان من شر فاسكت عنه، واعلم أن الشر يؤذيك في الدنيا وفي الدين، ويوم القيامة ينطق عليك لسانك شاهداً عليك بما قلته وبما آذيت به غيرك، ولذلك فإن المؤمن يخطم نفسه ويكتم لسانه، ويسكت إلا في الخير، فينطق بغير أن يمل من الخير.