ثم إن هؤلاء الضيفان بأعينهم خرجوا من عند إبراهيم وتوجهوا إلى قرى قوم لوط، ولما أخبر بنات لوط أباهن أنهن رأين رجالاً غاية في الجمال، ويُخشى عليهم من قومه، خرج إليهم وأخذهم وخبأهم في بيته، لأنه يخاف عليهم من قومه أهل النجاسة، وأهل الوقوع فيما حرم الله سبحانه.
فلما عرف قومه من امرأته أن عنده ضيوفاً أتوا إليه وقالوا: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:70 - 71] يعني: عندكم البنات، والنبي أب لبنات قومه وأب لرجالهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم)، فكل نبي أب لقومه ووالد لهم، فقوله: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي) يعني أن بنات قومه نساء كثيرات، فتزوجوا، وما الذي يجعلكم تفعلون هذه الفاحشة وهذه المصيبة العظيمة؟! قال الله عز وجل: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [هود:78].
فالمقصود هنا من إكرام الضيف الدفاع عنه، لأن المضيف لا يسلم الضيف، ولا يؤذي الضيف، ويمنع عنه من يؤذيه، فهؤلاء لم يكونوا قادمين نازلين عليه، وما قالوا له: نحن ضيوف عندك، بل خاف عليهم لكونهم مروا بالقرية؛ لئلا يؤذيهم أهل هذه القرية، لذلك أخذهم واستضافهم في بيته، مع أنه يرى نفسه وحيداً، ويرى نفسه لا جيش معه يحميه، وسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يقدر على أن يجمع من يقوم معه ويدافع، وأما لوط عليه الصلاة والسلام فإنه استشعر أنه ضعيف وأنه في بلده وحيد، ولم يكن له أولاد ذكور، بل كان أولاده بناتاً، فلذلك قال الكلمة التي تعجب لها النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى عنه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] كل هذا من أجل حماية الضيوف، حتى لا يتمكن منهم هؤلاء المجرمون.
فالغرض هنا بيان ذكر الله عز وجل إكرام الضيف من فعل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ومن فعل لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.