الأسرار أمانة، فإذا جاء إنسان يكلمك بصوت منخفض فلا ترفع صوتك بالكلام حتى لا تفضح هذا الإنسان الذي يخفض صوته، وإذا ائتمنك على سر فلا تخبر به أحداً، وإذا حدثك وهو يلتفت حتى لا يراه أحد، فمعنى هذا أن كلامه هذا سر فلا يجوز لك أن تضيع هذا السر أو أن تفشيه لأحد من الناس، ويجب عليك أن تعلم أبناءك أهمية حفظ السر، ولا تظهر الفرح إذا رجع ابنك يوماً من المدرسة وقال لك: إن رفيقي قال لي سراً وهو كذا وكذا، ولكن علم ابنك أن يتقي الله وأن يراقبه سبحانه ولا يحدث بسر استودعه إياه أحد من الناس.
وقد كان أهل الجاهلية يعرفون أن الأسرار لا ينبغي أن تنشر لأحد، وكانوا يعيبون على من يفعل ذلك، وقد روي أن شاعراً من الشعراء لما وجد أمه كثيرة الكلام وإذا ما تحدث أحد عندها بحديث تقوم وتفضحه بين الناس، فقال لها هذا الشاعر: تنحي فاقعدي مني بعيداً أراح الله منك العالمينا أغربالاً إذا استودعت سراً وكانوناً على المتحدثينا فالإنسان المؤمن من خلقه أن يحافظ على السر، ودافعه إلى ذلك خوفه من الله، لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، فهذه أمانة يجب أن تؤديها لأهلها، وذكر عن بعض الصالحين أنه ذهب إليه إنسان وقال له: أخبرك سراً فلا تحدث به أحداً، أخبرك بكذا وكذا وكذا، هل سمعت ماذا قلت لك؟ قال: لم أسمع شيئاً.
يعني: من مبالغته في حفظ السر كأنه لم يسمع شيئاً! فالمسلم إذا سمع سراً كان السر في باطنه لا يخرجه لأحد أبداً إلا أن يأذن له صاحب هذا السر.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على أداء الأمانات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.