عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: (أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان) وأنس بن مالك رضي الله عنه هو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، حيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولـ أنس عشر سنوات، فخدمه حتى كان عمره عشرين سنة حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فـ أنس بن مالك صحب النبي صبياً وشاباً، وفي أثناء خدمته له يقول أنس: (أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ - أمه هي أم سليم رضي الله تبارك وتعالى عنها - فقلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟) يعني: تريد أن تعرف هل يستحق ذاك المشوار كل هذا التأخير؟ لكن ماذا كان جواب أنس الغلام الصغير؟ قال: (قلت: إنها سر).
يعني: لن أكشف عن حاجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت رضي الله عنها: (لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً)، انظر إلى الأم المطيعة لله سبحانه ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، الأم الطيبة القانتة المؤمنة تعلم ابنها حفظ السر حتى عنها.
فكل أم يلزمها أن تعلم ابنها كيف يحافظ على السر، فإذا جاء الأب وقال للابن: خذ هذا المبلغ واذهب به إلى فلان ولا تقل لأحد، فلا يرجع ويقول لأمه: أبي بعثني لأفعل كذا في كذا، وإذا فعل فالواجب على الأم أن تقول له: لا يجوز لك ذلك، فهذا سر من الأسرار فلا تفش سر أبيك، وعلى الأم أن تعلم الابن ألا يكون كثير الكلام، وألا يفشي أسرار البيت، فإذا تربى الطفل على ذلك كانت هذه عادته عند الكبر، ويستحيل أن يستفيد منه الأعداء أو يحصلوا منه على أسرار بلده.
فـ أنس هنا لما قال لأمه ذلك قالت أمه رضي الله عنها: (لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال أنس - رضي الله عنه -: والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت)، وثابت هذا هو تلميذ أنس، وهو من التابعين وليس صحابياً، فهو جاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمان، ومع ذلك يقول أنس: إن سر النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما أخبرت به أحداً إلى الآن، ولو كنت أحدث به أحداً لكنت حدثتك أنت، ومعنى هذا: أنه كتم السر حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لا يلزمه ذلك، وهذا ظاهر في حديث السيدة فاطمة رضي الله عنها، ولكن مع ذلك حافظ على سر النبي صلى الله عليه وسلم.