وفي الصحيحين أيضاً من حديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم)، وعبيد الله بن زياد كان أميراً من الأمراء، وكأنهم عرفوا فيه ظلماً، فذهب إليه هذا الصحابي عائذ بن عمرو رضي الله عنه ينصحه ويعظه، فقال له: (أي بني) وهذا يعني أنه كان صغيراً في السن وهذا الصحابي كان كبيراً رضي الله عنه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شر الرعاء الحطمة) (الحطمة) على وزن: فعلة، وهي صيغة مبالغة، مثل قولك: هذا صُرعة هذا ضُحكة، هذا حُطمة، هذا هُمزة، هذا لُمزة، كلها من هذا الباب، والمعنى: أنه مبالغ في هذا الذي يفعله.
فالحطمة: هو الإنسان الذي يحطم ما تحته، كالراعي يرعى غنماً أو إبلاً ومعه عصا يضرب بها أغنامه أو إبله وينفرها ويقسو عليها، فهذا شر الرعاء، وكذلك الراعي الحاكم الذي يكون على الناس ويتولى أمرهم فتراه عنيفاً عليهم ويفرقهم من حوله، فقال: (إن شر الرعاء الحطمة) فقام ينصح هذا الأمير ويقول: (فإياك أن تكون منهم) أي: احذر أن تكون من هؤلاء الذين يفرقون الناس ولا يجمعونهم.
وفي الحديث عند أبي داود عن أبي مريم الأزدي أنه قال لـ معاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة)، فجعل معاوية رضي الله عنه رجلاً على حوائج الناس، الحديث رواه أبو داود والترمذي بإسناد فيه ضعف، ولكن له شاهد كما في التحقيق، وفيه أن من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فلابد أن يكون غير محتجب عنهم، طالما هو مسئول فلابد أن يكون أمام الناس حتى يجدوه ولا يحتجب عنهم، فإذا احتجب جعل من يسمع منهم ويبلغه هذا الشيء، فكأن معاوية رضي الله عنه احتجب في قصره فجاءه أبو مريم الأزدي يخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين، والوالي سواء كان حاكماً كبيراً أو صغيراً هو مسئول أمام الله عز وجل، وقد لا يكون مسئولاً عن بلد من البلدان، بل يحكم الناس كلهم، فولاه الله أمورهم، فإذا احتجبوا عن الناس بحيث لا أحد يعرف أن يصل إليهم أبداً، وهم مسئولون عن مصالح الناس، قال: (فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم) أي: احتجب فلم يعط أحداً، ولم يقض لأحد حاجته، فهذا يحتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة.
يأتي الإنسان عارياً ليس معه مال، وليس معه ثياب مثل المحتاج، فإذا بالله يمنعه ولا يجيبه ولا يرد عليه، والمعنى: أنه يصير إلى النار والعياذ بالله.
فاتعظ معاوية بذلك فجعل رجلاً على حوائج الناس، أي: جعل من يقوم بحوائج الناس، يصل إليهم ويصلون إليه ويبلغ معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه.
ففيه أن الإنسان المسلم إذا كان في مكان وتولى أمور رعية سواء كانوا قليلين أو كثيرين فلابد أن يرأف بهم ويرحمهم، ويعظهم، وينصحهم ويحوطهم بشفقته، وينظر في حوائجهم، فالله عز وجل يكون في عونه طالما أنه في عون إخوانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.