في الصحيحين من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) هذه مصيبة من المصائب! يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أننا كلنا عبيد لله سبحانه وتعالى.
فكل إنسان عبد لله سبحانه، سواء كان كبيراً أو صغيراً أو غنياً أو فقيراً، أو عالياً أو حقيراً، الكل عبيد لله سبحانه وتعالى، فكل إنسان يتذكر ذلك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فكل يقوم بحق العبادة في المكان الذي هو فيه.
فيقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية) أي: يعطيه رعية يرعاهم، ويقوم على أمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح والوعظ، ويتملك أمرهم، هذا الإنسان الذي كان راعياً قد يكون من أعلى الرعاة، أو يكون حاكماً، أو عريفاً على قوم، أو على مجموعة صغيرة، أو أميراً على اثنين أو على ثلاثة، هذا الإنسان الذي تولى هذه الأشياء إذا غش فيها يأتي يوم القيامة قد حرم الله عليه الجنة، فاحذر من الغش، وكن مع الناس ناصحاً دائماً، وإذا كان عملك لله سبحانه أدام الله عز وجل هذا العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)، فالإنسان الذي يريد أن يحبه الناس وهو متول أمرهم فلا يجامل في الخطأ، ولا يظلم إنساناً من أجل أن يرضي إنساناً آخر، فالله يسخط عليه، ولن يحبك الذين أنت تجاملهم، بل لأنك تظلم الغير، فلن يحبوك أبداً، لأنهم يعلمون في أنفسهم أنك ظالم.
فالإنسان الذي يأخذ المال الحرام لينفع إنساناً به لن يحبه هذا الإنسان، فالذي يدفع الرشوة من أجل وظيفة هو في الظاهر يقول لك: جزاك الله خيراً، وأما في الباطن فهو يشعر أنك أخذت ماله، ويعرف أنك لا تستحق هذا المال حتى وإن قال: لقد أبحت لك ذلك، ويوم القيامة سوف تسأل عن هذا الذي أخذته، فإذا استرعاك الله أناساً فلا تظلم أحداً، يقول صلى الله عليه وسلم: (يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته) يغش الناس ويستدرجهم حتى يأخذ أموالهم، ويغش الإنسان في هذا الذي يفعله، فيأكل حراماً ويدخل إلى بيته حراماً، ويظلم أناساً، وقس على ذلك أعمالاً يقوم بها أناس فيغشون الناس ليأخذوا أموالهم، فهؤلاء يحرم عليهم هذا العمل ويحرم عليهم الغش في الرعية.
قال: (إلا حرم الله عليه الجنة)، وقال في رواية: (فلم يحطها بنصحه) أي: ما أحاط الرعية بنصحه، ففي المكان الذي تعمل فيه لابد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قدر استطاعتك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا تخن أحداً ولا تغدر ولا تغش، ولا تقبل سحتاً أو رشوة، لا تمنع من الناس ما ينفعهم ولا تخدعهم.
ويقول في الرواية الأخرى: (ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة)، وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)، هذه دعوة مستجابة من النبي صلى الله عليه وسلم، دعوة للإنسان الذي يتولى أمور الناس سواء كان موظفاً صغيراً أو كبيراً أو حاكماً، هذا الإنسان إذا كان رفيقاً بالرعية يحوطهم بنصحه ويعاملهم معاملة الأب لأولاده، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفق الله به، يرفق به في الدنيا وفي قبره، ويوم القيامة؛ لأنه كان رفيقاً برعيته.
والعكس من ذلك: الإنسان الظلوم الغشوم الجائر الذي يظلم الناس ويقسو عليهم دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بألا يرفق به ربه سبحانه وتعالى، وأن يشق عليه في الدنيا وفي الآخرة.
انظر: الإنسان الموظف إذا جاء إليه إنسان للمعاملة فيقول له الموظف: افعل كذا، واصنع كذا، واذهب إلى مكان كذا وأت بكذا، ونحن سوف نحقق لك ما تريده، ولا يحقق له ذلك إلا إذا أخذ عليه نقوداً، هذا الإنسان دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يشق الله عليه، ولن يذهب بعيداً، فالمال الذي يأخذه سيتلفه الله عليه، وكم قد رأينا من أمثال هؤلاء من يجمع المال ثم يموت ويترك ماله للورثة فيدعون عليه ويلعنونه بعد موته؛ لأنه جمع هذا المال من حرام، ونذكر قصة الرجل الذي كان يعمل في شركة حكومية، فكان يجمع الرشوات حتى بلغت مائة ألف جنيه، وجعلها في البنك من أجل أن يستنفع بها، فمات ولم يصرف منها شيئاً، فجاء الورثة يسألون: هل يجوز أخذ هذا المال أم لا؟ فقد كان المال كله حراماً وهم يعرفون، ولم يسلموه للشركة، وأخذوا أموالاً محرمة، فهذا المسكين ظلم نفسه في الدنيا وفي الآخرة وجمع مالاً ولم يستنفع به، وتركه في البنك وجاء الورثة بعد كذا فأخذوه من أجل أن يدعوا عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذلك الإنسان المؤمن دائم التفكر في الغد هل سيكون في الدنيا أم سيكون في القبر، فعليك أن تعمل الخير حتى لا يضيق عليك قبرك، وحتى لا تندهش في قبرك وتتحير، ولا تقدر على الجواب، إياك والظلم فلا تظلم أحداً.