يقول الإمام النووي رحمه الله: [باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جمعهم، وجماعاتهم، ومشاهد الخير، ومجالس الذكر إلى آخر ما ذكره] ولم يذكر في هذا الباب حديثاً.
وترجمة الباب تدل عليها أحاديث كثيرة جداً، من عادة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أفعاله صلى الله عليه وسلم: كجهاده في سبيل الله، ودعوة الناس في خطب الجمعة، ودروسه وتذكيره للناس صلى الله عليه وسلم، ففي هذا كله مخالطة لهم، فلا نحتاج أن يقول: كان يختلط بهم في كذا وكذا، فقد كانت كل حياته صلى الله عليه وسلم اختلاطاً بالناس من المؤمنين وغيرهم يعلمهم ويهديهم إلى ربه سبحانه.
فكأنه يريد أن يقول: إن الاختلاط بالناس بأن تعلمهم فيهديهم الله عز وجل على يديك، فهذا أفضل من أن تعتزل الناس، فتحضر الجمع وتحضر صلاة الجماعة مع الناس، وتحضر دروس العلم ومشاهد الخير مع الناس، وتحضر مجالس الذكر وتعود المرضى، وتحضر جنائز المسلمين، وتواسي المحتاجين، وترشد الجاهلين، وغير ذلك من المصالح لمن يقدر على ذلك، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقمع نفسه عن الأذى.
إذاً: فهو لا يؤذي الناس، وإذا حضر مع الناس كان حضوره خيراً، فخير الناس وأحب الناس إلى الناس وإلى الله عز وجل الذي ينتفع به الناس، فيعلمهم الخير ولا يتعالى عليهم، ويرشدهم إلى الخير ابتغاء وجه الله سبحانه، فيقمع نفسه عن الإيذاء فلا يؤذي أحداً من الناس، بل هو خير حيثما كان، فإذا احتاج إليه الناس فإنه يعلمهم ويهديهم إلى ربهم سبحانه، وتراه ينفق عليهم ويتصدق ويفعل الخير الذي أمر الله عز وجل به، ويصبر على هذا.
يقول النووي: (قمع نفسه عن الإيذاء، وصبر على أذى الناس)، فالمؤمن لا يؤذي أحداً، ولا يدفع الضرر بالضرر، فإذا أوذي صبر على ذلك ونصح، ولعل الإنسان بحسن خلقه وصبره على غيره أن يقتدي به الناس في ذلك ويفعلون كما يفعل، فيكون قد سن للناس سنة طيبة.
وللحديث بقية إن شاء الله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.