شرح حديث: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال)

وفي حديث آخر عن أبي سعيد أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن).

فهذا أفضل أموال المسلم، وقوله: (يوشك) يدل على أنه سيكون قريباً، وما هو آت فهو قريب، كما قال الله سبحانه: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]، بل يقول: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]، فالساعة قريبة وآتية لا ريب في ذلك، فما هو آت فهو قريب.

وانظر إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم العجيبة، فهو لا ينطق عن الهوى، وإنما ذلك وحي من الله سبحانه يوحيه إليه، فهو يخبر بأشياء فتكون كما قال، فقد قال: (لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه)، وهذا ما نراه ونلمسه.

وقال: (صنفان من الناس لم أرههما: رجال معهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات)، فأحد هذين الصنفين هم الشرط، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرهم، ومع ذلك أخبر أنهم سيكونون، فكانوا كما قال صلى الله عليه وسلم.

قوله: (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات)، مثل أن تلبس المرأة ثياباً خفيفة تشف عما تحتها، أو أن تلبس ثياباً ضيقة تفصل الجسد تحتها، أو أن تلبس ثياباً قصيرة لا تستر إلا بعض الجسم.

وهذا كله قد وجد في عصرنا هذا، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم! فإذا صارت الفتن تحيط بك ولا تقدر على مدافتعها، فاعتزل هذه الفتن، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك.

يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال)، شعف الجبال هي رءوس وقمم الجبال، يعني: يأخذ معه غنمات فيها كل ما يحتاج إليه الإنسان، فهي طعامه وفيها شرابه وكسوته، فاكتفى بهذا الشيء اتقاء لغضب الله سبحانه، فابتعد عن الفتن بذلك.

قال: (يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر)، يعني: يبحث عن المكان الذي وقع فيه المطر؛ من أجل أن تشرب الغنم، ومن أجل أن يكون هناك كلأ تأكل منه الغنم.

وبعض الناس يجد أمامه الفتن فيقول: ماذا أعمل، فالدنيا كلها فتن ومثلي مثل الناس! فهو إمعة إذا أحسن الناس أحسن، وإذا أساءوا أساء، نسأل الله العفو والعافية.

وفي حديث آخر يرويه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال: أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)، فكان يرعى الغنم صلوات الله وسلامه عليه.

وهنا عندما يقول: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً) لعل بعض الناس يأنف أن يرعى الغنم فنقول له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رعى الغنم يوماً من الأيام، فلا يأنف الإنسان المسلم من مثل ذلك.

وفي هذا حكمة من الله في كون الأنبياء يرعون الغنم، فالغنم فيها الكبير وفيها الصغير وفيها الضعيف، وصاحب الغنم يكون فيه حنان على غنمه، فتحتاج أن يحوطها، وأن يرعاها، وأن يذهب بها إلى مكان الرعي.

وأما صاحب الإبل فإنه عندما يرى نفسه فوق الناس يأتيه الغرور، وأما صاحب الغنم فيستشعر التواضع، فإذا وجد غنمه مريضة حملها على ظهره، أو أكلها بنفسه، فيستشعر التواضع، ففي تربية الغنم تعويد للإنسان على سياسة الناس، فما من نبي إلا وقد جعله الله عز وجل يرعى الغنم.

فراعي الغنم يكون فيه حنان على الغنم، فيجمعها ولا يفرقها، وانظر لو دخل صاحب الغنم بالعصا في وسط الغنم فإنها تتفرق وتهرب كلها، وحين يسقيها فإنه يضع لها الماء ويبعد عنها عصاته؛ من أجل أن تأتي وتشرب، وإذا رفع العصا نفرت كلها، فهنا يعود الله عز وجل أنبياءه ويربيهم على ذلك، فرعي الغنم تحتاج إلى نوع من السياسة في التأليف والوفاق بينها، فإذا كان يسوس الناس كان متعودا ًعلى هذا الأمر: أنه يجمع ولا يفرق الناس.

فالنبي صلى الله عليه وسلم رعى الغنم، وهنا يقول لنا: (يوشك) أي: سيأتي يوم من الأيام يكون فيه خير مال المسلم غنمات يتبع به شعف الجبال، ومواقع القطر، والقطر هو المطر، ويفعل ذلك فراراً من الفتن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015