من الأحاديث التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم قصة ماعز رضي الله عنه لما وقع في الزنا، وكان قد زنى بأمة كانت لرجل اسمه هزال وقد كان ماعز يتيماً عند هزال.
وبعدما كبر وبلغ في يوم من الأيام خرج المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم في نفير، فوجد هذه الأمة في مكان فزنى بها، فـ هزال الذي هو مربيه وسيد هذه الأمة كأنه حصل له شيء من الغيرة والغضب، فقال له: اذهب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق هزال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن ماعزاً فعل كذا.
وهنا لو ستره لكان خيراً له، ولكنه أصر على أن يشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كلمته الجميلة: (يا هزال! هلا سترته بثوبك)، أي: لو سترته وانتهى الأمر لكان خيراً لك.
وماعز كان متزوجاً، ولذلك كان حده الرجم، والرجل الذي شهد عليه واحد إذاً: سيقام عليه حد القذف.
فلما رأى الأمر هكذا وأنه يمكن أن يقام عليه حد القذف قال: أذهب وأقنع ماعزاً أن يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: لقد زنيت، وفعلاً ظل يلح عليه حتى ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لقد زنيت، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أعرض عنه، مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً، وفي الأخيرة قال له: (أبك جنون؟ أتدري ما الزنا؟)، وذلك حتى يمشي الرجل ويقول: لا أعرف ما هو الزنا، أنا أمزح بالكلام.
فهنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستر على نفسه ويمشي، فأعرض عنه أربع مرات وفي النهاية قال لأصحابه: (استنكهوه استنكلوه)، وقال للرجل: (لعلك قبلت، لعلك لامست، لعلك فاخذت)، يعطي له أعذاراً يقولها وينصرف.
ولكن لما أصر، وكأن هزالاً قال له: قل بالحقيقة ولن يفعل بك شيئاً، فلما أقاموا عليه الحد وبدءوا يرجمونه أذلقته الحجارة، فقال لهم: يا قوم! إن هزالاً غرني من نفسي وقال: إنكم لستم قاتلي، أعيدوني للنبي صلى الله عليه وسلم، أرجعوني للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يسمعوا كلامه، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا برجمك، فما زالوا يرجمونه حتى قتلوه، ولما رجعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له ذلك حزن النبي صلى الله عليه وسلم وتأسف لذلك، وقال: (هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه).
ورئي النبي صلى الله عليه وسلم كئيباً من ذلك، حتى جاء له الوحي من عند ربه وأخبره أن ماعزاً في الجنة، وإن الله أكرمه وتاب عليه، فسر النبي صلوات الله وسلامه عليه بذلك، وأخبر أنه تاب توبة عظيمة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم.
المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستر على الرجل، وأمر هزال بالستر عليه، فلما أصر الرجل بالاعتراف على نفسه، وليس هو مجنوناً ولا شارب خمر، ولا يريد أن يعرض في الكلام، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد، فلما أقاموا عليه الحد ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بما فعل قال: (هلا تركتموه لعله يتوب إلى الله عز وجل).