حديث آخر وإسناده صحيح أيضاً رواه الترمذي من حديث ابن عمر قال: (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله).
(يا معشر من أسلم بلسانه) أي: الذين تقولون: لا إله إلا الله بألسنتكم ولكن خصال الإيمان لم تدخل قلوبكم، فاتقوا الله وارجعوا عن هذا الذي أنتم واقعون فيه، وهو أنهم كانوا يؤذون المسلمين ويعيرونهم ويتتبعون عوراتهم.
قال: (لا تؤذوا المسلمين) ويؤخذ منه أن صفة الإنسان الذي فيه نفاق أنه يسلم بلسانه وأما قلبه فلم يسلم؛ لأن كل إنسان يقول: أنا مسلم وأنا مؤمن، فهؤلاء إنما يعرفون بأفعالهم، يلقى إنساناً وقع في معصية فيفرح ويأتي يقول: فلان عمل كذا وعمل كذا وعمل كذا، والعياذ بالله! فلماذا تشمت بإنسان ولعل الله أن يبتليك بمثل تلك المعصية؟! فقوله: (لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم) أي: فالمسلمون الذين وقعوا في شيء من المعاصي فسترها الله عز وجل عليهم، فلا تؤذوهم ولا تعيروهم، ولا تفضحوهم ولا تبكتوهم بما صنعوا.
(ولا تتبعوا عوراتهم)، كأن يقول إنسان يرى نفسه رجلاً صالحاً: أنا سأراقبه حتى أعلم ماذا يفعل، فيتتبعه يريد منه سقطة من أجل أن يفضحه بها، فإذا تتبعت أخاك فإن الله يتتبعك، ولعلك لا تقدر أن تصل لهذا الإنسان على شيء، ولكن الله يقدر عليك.
قال: (فإنه من تتبع عورة أخيه)، أي: يتتبع سقطاته لأجل أن يفضحه بها (تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله) يعني: لو اختبأ داخل الغرفة التي عنده في البيت وفعل المعصية، فإن الله يقدر عليه من يفتح ويراه على هذه الصورة، فالله يفضحه ولو في جوف رحله.
وقد نظر ابن عمر -وهو راوي الحديث- يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
فالكعبة لها شرف وقدر عظيم، ولكن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة التي هي قبلة المسلمين، فعلى الإنسان المسلم أن يخاف على أخيه المسلم من الوقوع في الذنب، فإذا وقع في الذنب ستر عليه، ونصحه فيما بينه وبينه.