إن من الأحاديث التي تذم الشبع حديث المقداد بن معد يكرب، وهو عند الترمذي أيضاً، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه).
يعني: أن الآدمي يحب أن تكون عنده آنية وفيها طعام أو شراب، وهذا يحب أن يملأ الأواني التي عنده؛ لأنه سيحتاج الماء والطعام لنفسه أو لغيره، وهذا خير، ولكن شر الآنية التي يملؤها الإنسان هي البطن؛ لأن الإنسان إذا ملأ بطنه أتخم نفسه ومرض، بل لعله يموت متخماً بهذا الطعام، فيموت وقد أهلك نفسه وألقى بها إلى التهلكة.
والنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ممتلئاً سميناً بطيناً، فكان يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى بطنه، ويقول: (لو كان هذا في غير هذا كان خيراً له).
يعني: لو أن المال الذي جمعه جعله في غير هذا كان خيراً له، كأنه يقول له: كل واشرب ولكن لا تسرف، فكأنه عندما يأكل يملأ بطنه دائماً، فكان الإنفاق على غير هذا خيراً له عند الله عز وجل.
يقول صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: (بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه)، أي: يكفيه أن يأكل أكلات، فدل ذلك على التقليل من الأكل، ولكن ليس كل إنسان قادراً على أن يأكل أكلات ولقيمات، وإنما يأكل أكثر من ذلك، ولكن إن كان لا محالة آكلاً أكثر فينظم أكله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه).
أي: ثلث المعدة لطعامه؛ لأن المعدة عندما تمتلئ تنتفخ وتضغط على الرئة، فلا يستطيع أن يتنفس، وتضغط على القلب، وعندما تنام وأنت متخم فستؤذي نفسك بذلك، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن إلى أن يجعل ثلثاً لطعامه وثلثاً لشرابه وثلثاً لنفسه.
إن بعض الناس أعطاه ربنا الغنى، ولكنه يأكل ويسرف، وفي النهاية يتأدب بمرضٍ يصيبه وقد كان عنده المال والصحة، فلماذا يأكل ويسرف؟ ولذلك يقول تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
في الآخر هو يسرف على نفسه، فتراه كل يوم يأكل اللحم فيصاب بمرض، فيذهب إلى الأطباء فيقولون له: يحرم اللحم عليك، فيقوم يأكل الحلويات ويكثر، فيصاب بالسكر، فيقول له الأطباء، لا تأكل الحلويات، وهكذا فيصل إلى حالة يشتهي فيها أن يأكل هذا وهذا، ولكنه يجد أن كل شيء ممنوع عليه، مع أن معه المال، فأية متعة في هذا المال؟! ولو أنه من البداية عمل بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فلن يمرض، بل سيلاقي نفسه معافى عندما يعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبتعاليم القرآن.