كذلك من الأحاديث ما جاء من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).
خاف النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة من المال، وخاف عليها أيضاً من النساء، فقال لهم الحديث الذي ذكرناه قبل ذلك: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على الذين من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).
فخشي عليهم من فتنة الدنيا والمال، وكذلك من فتنة النساء وقال: (إن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
وعن عثمان رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال، بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء).
رواه الترمذي وقال: صحيح، ولكن في إسناده ضعف.
الغرض: أن الإنسان إذا عاش في هذه الدنيا ما الذي سيعيشه من هذه الدنيا؟ فقال لنا هنا: (بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء) فإذا أخذ ذلك من الدنيا فهو إنسان غني.
وجاء في حديث آخر له صلوات الله وسلامه عليه يخبرنا فيه عن هذه الدنيا حيث قال: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه).
إذاً: مهما انهمك في الدنيا فسيكفيه من الدنيا الشيء القليل، فلا يكن في الدنيا نهماً ولا شرهاً في طلبها، وليحذر أن تفتنه ويضله الله عز وجل فيها، وانظروا الحديث الذي يليه.
عن عبد الله بن الشخير -وهذا الحديث في صحيح مسلم - قال (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] يقول: يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت!).
انظروا التعليم منه صلى الله عليه وسلم، أنت تقول: (مالي مالي) يعني: أترى أن كل الذي تجمعه من الدنيا ستنتفع به كله؟ إن ما ينتفع به العبد حقيقة هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، حيث قال: (وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت)، إذاً: الانتفاع الحقيقي لمالك طعام أكلته وأفنيته، (أو لبست فأبليت) قد يكون عندك مائة ثوب كلها موضوعة في الدولاب، لكن عندما تلبس ثوباً واحداً منها هو الذي انتفعت به من بين هذه الثياب، وقد تكون الثلاجة مليئة بالطعام، ولكن إذا أخذت الوجبة التي تكفيك فهي التي انتفعت بها، والباقي كله ليس لك.
(أو تصدقت فأمضيت)، إذا دفعت الصدقة للفقراء قدمتها لك في الدار الآخرة، فانظر إلى المال الذي أكلته فني ولم يبق منه شيء، والذي لبست بلي وما استفدت منه شيئاً بعد ذلك، لكن عندما تصدقت هذا هو الذي قدمته للدار الآخرة وظل باقياً.