فهو الآن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما هي أحكام الإسلام التي نزلت عليك؟ علمني مما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل، فإن الصلاة مشهودة محضورة).
النبي صلى الله عليه وسلم يبين له مواقيت الصلوات في هذا الحديث، فقال: (صل صلاة الصبح) أي: في وقتها، (ثم أقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس) والمعنى: صلاة الصبح ليس هناك صلاة بعدها، فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، وهل عندما تطلع الشمس يصلي نافلة؟ يقول له صلى الله عليه وسلم: (ثم أقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح) يعني: في نظر الناظر إليها، (فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان)، وقت طلوع الشمس هذا هو وقت يسجد الكفار فيه للشمس، فلا يجوز للمسلم أن يؤخر الفرض إلى هذا الوقت باختياره، ولا يجوز له أن يصلي النافلة وقت طلوع الشمس، وتجد في التقويم (وقت الشروق) فهذا الوقت لا يجوز لك أن تؤخر صلاة الصبح فتصليها فيه باختيارك -ولا يجوز وأنت قاعد في هذا الوقت- أن تصلي نافلة حتى ترتفع الشمس بمقدار ربع ساعة أو ثلث ساعة، ثم تصلي صلاة الضحى إن شئت.
قال صلى الله عليه وسلم: (فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار) فنهانا أن نتشبه بهم.
قال: (ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة)، وهي صلاة الضحى، فصل وقت الضحى إلى ما قبل الظهر مباشرة، قال: (حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة) أي: عند الزوال، وذلك عندما تكون الشمس في كبد السماء فوق رأس الإنسان، ويكون الظل كله تحت قدميه فيقول له: لا تصل في هذا الوقت، وهو وقت يسير قبل صلاة الظهر بقدر ركعة على الأقل، فهذا الوقت لا يجوز له أن يصلي فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنه حينئذ تسجر جهنم) فيكون قبل وقت صلاة الظهر بمقدار دقيقة أو دقيقتين بقدر صلاة ركعة فقط، فهذا هو الوقت الذي تحرم فيه الصلاة، فالذي يدخل ينتظر حتى يؤذن لصلاة الظهر.
قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أقبل الفيء فصل) فتخيل أنك واقف والشمس تطلع من المشرق فترتفع وترتفع إلى أن تكون فوق رأس الإنسان، فتبتدئ تميل بعد ذلك إلى المغرب، فإذاً: ظلك يتحول إلى ناحية المشرق، فالوقت الذي يتحول فيه هذا الظل هو وقت منعك منه النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي فيه.
قال: (فإذا أقبل الفيء) أي: الظل، كان الظل يتقلص ويتقلص حين صار تحت قدميك، وابتدأ ينتقل بعد ذلك إلى الناحية الأخرى منك، فيكون الظل عند وقت أذان الظهر قد بدأ يتحول من المغرب إلى المشرق.
قال: (فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر) أي: فصل الفريضة والنافلة حتى وقت العصر فهو وقت مفتوح، فصل فيه ما شئت من نوافل، وليس هناك كراهة.
قال صلى الله عليه وسلم: (ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس) أي: فإذا صليت العصر فلا تصل نافلة حتى تغرب الشمس.
وهنا استثنى العلماء فيما بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر صلاة ما له سبب، مثل: إنسان فاتته سنة الفجر القبلية فصلاها بعد الفجر، فيجوز له أن يصلي ويقصر عن الصلاة، ولا يصلي نافلة أخرى، وإذا كان الإنسان في هذا الوقت يدخل المسجد لسماع درس أو غيره فليصل تحية المسجد، إلا أن يكون عند طلوع الشمس فلا يجوز له أن يصلي.
كذلك قبل الغروب، فبعد صلاة العصر لا صلاة إلا ما له سبب، كإنسان يصلي تحية المسجد أو سنة فائتة فاتته، ولكن لا يصلي غير ذلك، قال لنا هنا: (ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس) فقبيل غروب الشمس يرجع وقت التحريم مرة أخرى مثل وقت طلوع الشمس، والعلة هنا أنها تغرب بين قرني شيطان، فلا يجوز للمسلم أن يؤخر صلاة العصر إلى قبيل الغروب اختياراً؛ لأنه يتشبه بعباد الشمس من الكفار، والمسلم كأنه بفعله هذا يقلد هؤلاء الكفار فيؤخر صلاة العصر إلى هذا الوقت، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المنافقين؛ لأن المنافق يرقب الشمس حتى إذا اصفرت قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، فاحذر أن تتشبه بالكفار أو تتشبه بالمنافقين وتؤخر صلاة العصر اختياراً إلى وقت اصفرار الشمس.
وقال صلى الله عليه وسلم: (فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار).