فلذلك ينبغي على الإنسان الذي يؤذي أحداً من هؤلاء أن يخاف على نفسه، فقد ينتصر الله عز وجل لهم، وينتقم منه يوماً من الأيام، وقد يظن الإنسان أن هذا ضعيف لا ناصر له، فيتجبر عليه، ويتقوى عليه، فإذا بالله يبتليه بشيء لا يقدر على مقاومته، أو النجاة منه، ولذلك قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].
و (الأذى): اسم جنس يعم جميع أنواع الأذى، كأن يستضعف إنساناً فيتطاول عليه باللسان، فيسبه ويشتمه، أو يتطاول عليه باليد، كأن يأخذ ما معه وهو غير قادر على أن يدافع عن نفسه.
ففي الآية يحذرنا ربنا سبحانه ممن يؤذي المؤمنين فيقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58]، والمنافقون ديدنهم أن يؤذوا المؤمنين، فتجدهم يرمونهم بالتهم العظام، بل قد تجرأ كبيرهم على أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، ورماها بالفاحشة إفكاً وزوراً وكذباً، وإذا بالبعض من المسلمين يقلدون هذا المنافق، ويرددون ما افتراه، فحذرهم الله عز وجل أشد التحذير، كما حذر هؤلاء المنافقين، فيحذرهم الله عز وجل بأن لهم الإثم العظيم عند الله، وأنهم بصنيعهم قد احتملوا البهت، والبهت: أشد الكذب والافتراء، وما احتملوه من الإثم والبهتان بين وواضح وسيحاسبهم الله عز وجل عليه.
لذلك ينبغي على الإنسان المؤمن أن يكون عفيف اللسان، وإذا سمع أناساً يخوضون في أعراض أناس كفهم وزجرهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار عليهم فليعتزل هؤلاء ولا يجلس معهم؛ لأنه إن جلس معهم فقد يدخل في قول الله عز وجل: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]، فليس له إذا جلس في مجلس وسمع كلاماً منكراً، إلا أن ينهى عن هذا المنكر، أو أن يترك هذا المكان ولا يجلس فيه.