قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها).
هذا الإنسان الموفق لا يكتسب شيئاً إلا الشيء الذي يحبه الله عز وجل، فهو بالله يسمع، يعني: بتقدير الله عز وجل صمت أذناه عن المنكر فلم يسمعه ولم ينتبه له، واستمع الخير ففتح الله سمعه ووعيه وقلبه، حتى: يستفيد من ذلك، ففتح له سمعه ليستمع إلى الخير، وينتفع بالخير الذي سمعه، وكم من إنسان يسمع الخير، ولا يقدر أن يعمل بما سمع، ولكن هذا الولي الذي يحبه الله فتح الله عز وجل سمعه فجعله يسمع، فبالله يسمع، وبالله يبصر، وبالله يبطش، وبالله يمشي، فإذا نظر رأى الخير، وإذا رأى المنكر غض طرفه وبصره عن ذلك، فبالله عز وجل نظر، وبقدرة الله عز وجل أبصر، وبهدى الله غض بصره عما حرم الله تبارك وتعالى، قال في الحديث: (فبي يسمع وبي يبصر) قال: (ويده التي يبطش بها).
البطش هو الإمساك باليد، فيقدره الله عز وجل على ذلك، فيمسك بسيفه ويضرب به أعداء الله، قال سبحانه: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
فهل يعقل أن الإنسان يأخذ حفنة من التراب بيديه ثم يلقيها على الكفار، فتعمى أعين هؤلاء؟ لا يقدر أي إنسان أن يفعل ذلك، ولكن إذا أراد الله شيئاً قال له كن فيكون؛ فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ قبضة من التراب أو من الحصى ويلقيها على الكفار في خروجه من بيته مهاجراً، فإذا بالله يعمي هؤلاء بهذا التراب الذي وضع على رءوسهم، ولم يقدر أحد منهم أن يزيله عن رأسه.
وفي يوم حنين يأخذ النبي عليه الصلاة والسلام حفنة من التراب ويلقيها عليهم ويقول: (شاهت الوجوه)، ويقتحم صلى الله عليه وسلم عن بغلته، وينزل إلى هؤلاء ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) صلوات الله وسلامه عليه، وكان هذا في موطن يفر فيه الشجعان، فإن جيش النبي صلى الله عليه وسلم انهزموا وهم اثنا عشر ألف رجل، ولم يبق معه إلا سبعون رجلاً من آل بيته ومن كبار أصحابه صلوات الله وسلامه عليه، يواجهون عشرة آلاف من الكفار الذين امتلئوا بالحقد على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقبلوا بالسيوف وبالرماح، وهو يتقدم ويقول: (أنا النبي لا كذب) صلوات الله وسلامه عليه، ويلقي عليهم كفاً من حصى فيعميهم الله، ويفرون من النبي صلى الله عليه وسلم، فهل الحصى تجعل هؤلاء يفرون أو هو قضاء الله وقدرته وفضله سبحانه تبارك وتعالى؟ قال الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
صحابي صغير في جسمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبو اليسر رضي الله تبارك وتعالى عنه يأسر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، والعباس رجل طويل جسيم قوي شجاع رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكان مع المشركين، وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت مسلماً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كان ظاهرك علينا، قد كنت في صف المشركين)، فيأسره هذا الصحابي، ويأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فيعجب العباس ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس هذا أسرني، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي اليسر: (قد أعانك الله عز وجل عليه بملك كريم) فما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، فيقدر الله عز وجل من يشاء من خلقه على من يشاء سبحانه وتعالى.
وقد نصر الله المؤمنين الذين كانوا ضعفاء أذلة في يوم بدر فقال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123].
قال: (وكنت يده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) فلا يمشي إلا إلى معروف، يمشي في طاعة، يمشي ليعمل الخير، يمشي لعيادة مريض، يمشي لتشييع جنازة، يمشي لصلاة فريضة أو صلاة نافلة، يمشي لأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فهو يمشي بتوفيق الله عز وجل، ويقدره الله أن يمشي إلى الخير، ويبتعد عن الشر، فالله هو الذي يقدره على أن يمشي إلى الخير، وأن يمتنع عن الشر.