عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة).
والمسلم العاقل يتفكر فيمن يصاحبه ويحبه ويصادقه، والصديق الصدوق الناصح هو الذي يحب لله عز وجل وليس لدنيا ولا لهدف غير ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.
فيحب المسلم لكونه مسلماً ولكونه محسناً، ولكونه مطيعاً لله سبحانه وتعالى، إذاً كن في مجالس أصدقاء الخير وأصحاب الخير، وفي مجالس العلم، فلا تزال البركة والرحمة تنزل من السماء، والملائكة تتغشى هؤلاء وتكون حولهم، ويستغفرون لهم، فإذا رجعوا إلى الله عزل وجل ذكروهم بخير، وذكروا أنهم أتوهم وهم يصلون، وتركوهم وهم يصلون.
وجليس السوء جلسته ليست صالحة، جلسته فيها الفساد، وفيها السوء وفيها الغيبة والنميمة، وفيها العقوبة من الله سبحانه وتعالى، ولذلك (ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله عز وجل فيه، ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا قاموا حين يقومون عن جيفة حمار).
والحمار لا يحل ذبحه ولا أكله، فكأنهم جلسوا ليس إلى حمار مذبوح، بل إلى حمار منتن.
هذا في الدنيا، ويوم القيامة يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عليهم ترةً يوم القيامة، أي: حسرة وندامة يوم القيامة.
فالجليس الصالح وجليس السوء، مثلهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كحامل المسك ونافخ الكير)، ومن يتفكر في هذا المثال الذي ضربه النبي صلوات الله وسلامه عليه، يجد أمراً عجيباً: فحامل المسك هو إنسان يبيع المسك وعنده الرائحة الطيبة الجميلة، وحامل المسك لك معه أشياء: إما أن يحذيك، يعني: يعطيك من الطيب، فتنتفع بالرائحة الطيبة.
وإما أن تبتاع منه، أي: تشتري منه هذه الريح الطيبة فتنتفع بها.
وإما أنه لا يعطيك ولا تشتري منه، لكن الرائحة الطيبة تخرج وتنتشر فتستمتع بهذه الرائحة الطيبة.
فإذا الجليس الصالح كله خير، إما أن يعظك موعظة تنتفع بها، وإما أن تطلب منه موعظة فيعظك بها، وإن لم يكن هذا ولا هذا، ستسمع منه لغيرك كلاماً طيباً تستفيد أنت منه وهذا هو الجليس الصالح.
ومثل جليس السوء كنافخ الكير، حداد يحرق بالنار أشياء، والرائحة الكريهة تخرج من عنده، فإما أن تتأذى بهذه الرائحة المنتنة، وإما أن يصيبك من شرر النار ما يحرق عليك ثيابك، فلا تنتفع بشيء من ذلك.
وجليس السوء تنصحه فلا يقبل منك النصيحة، ومن ثم يبدأ يوجه إليك أنت من سيئاته، فإما أن يؤذيك بكلامه، بأن يوقعك في غيبة وفي نميمة وفي بتهان وفي كلام قبيح تستحق عليه العقوبة عند الله عز وجل يوم القيامة، وإما أن يؤذي غيرك فتسمع منه ألفاظاً نابية وكلاماً قبيحاً، وشيئاً لا تقدر أن ترد عليه فيه، فكله شر!